العلاج النبوى



اولا العلاج بالادوية الطبيعية


هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الحمى


ثبت في الصحيحين عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما الحمى أو شدة الحمى من فيح جهنم فأبر دوها بالماء وقد أشكل هذا الحديث على كثير من جهلة الأطباء ورآه منافيا لدواء الحمى وعلاجها ونحن نبين يحول الله وقوته وجهه وفقهه فنقول خطاب النبي صلى الله عليه وسلم نوعان عام لأهل الأرض وخاص ببعضهم فالأول كعامة خطابه والثاني كقوله لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستديروها ولكن شرقوا أو غربوا فهدا ليس بخطاب لأهل المشرق ولا المغرب ولا العراق ولكن لأهل المدينة وما على سمتها كالشام وغيرها وكذلك قوله ما بين المشرق والمغرب قبلة وإذا عرف هذا فخطابه في هذا الحديث خاص بأهل الحجاز وما والاهم إذ كان أكثر الحميات التي تعرض لهم من نوع الحمى اليومية العرضية الحادثة عن شدة حرارة الشمس وهذه ينفعها الماء البارد شربا واغتسالا فإن الحمى حرارة غريبة تشتعل بالقلب وتنبتث منه بتوسط الروح والدم في الشرايين والعروق إلى جميع البدن فتشتعل فيه اشتعالا يضر بالإفعال الطبيعية وهي تنقسم إلى قسمين عرضية وهي الحادثة إما عن الورم أو الحركة أو إصابة حرارة الشمس أو القيظ الشديد ونحو ذلك ومرضية وهي ثلاثة أنواع وهي لا تكون إلا في مادة أولى ثم منها يسخن جميع البدن فإن كان مبدأ تعلقها بالروح سميت حمى يوم لأنها في الغالب تزول في يوم ونهايتها ثلاثة أيام وإن كان مبدأ تعلقها بأخلاط سميت عفنية وهي أربعة أصناف صفراوية وسوداوية وبلغمية ودموية وإن كان مبدأ تعلقها بالأعضاء الصلبة الأصلية سميت حمى دق وتحت هذه الأنواع أصناف كثيرة وقد ينتفع البدن بالحمى انتفاعا عظيما لا يبلغه الدواء وكثيرا ما يكون حمى يوم وحمى العفن سببا لانضاج مواد غليظة لم تكن تنضج بدونها وسببا لتفتح سدد لم تكن نصل إلهيا الأدوية المفتحة وأما الرمد الحديث والمتقادم فإنها تبرىء أكثر أنواعه برءا عجيبا سريعا وتنفع من الفالج واللقوة والتشنج الامتلائي وكثيرا من الأمراض الحادثة عن الفضول الغليظة وقال لي بعض فضلاء الأطباء إن كثيرا من الأمراض نستبشر فيها بالحمى كما يستبشر المريض بالعافية فتكون الحمى فيه أنفع من شرب الدواء بكثير فإنها تنضج من الخلاط والمواد الفاسدة ما يضر بالبدن فإذا انضجتها صادقها الدواء متهيئة للخروج بنضاجها فأخرجها فكانت سببا للشفاء وإذا عرف هذا فيجوز أن يكون مراد الحديث من أقسام الحميات العرضية فإنها تسكن على المكان بالانغماس في الماء البارد وسقى الماء البارد المثلوج ولا يحتاج صاحبها مع ذلك إلا علاج آخر فإنها مجرج كيفية حارة متعلقة بالروح فيكفي في زوالها مجرد وصول كيفية باردة تكنها وتخمد لهبها من غير حاجة إلى استفراغ مادة أو انتظار نضج ويجوز أن يراد به جميع أنواع الحميات وقد اعترف فاضل الأطباء جالينوس بأن الماء البارد ينفع فيها قال في المقالة العاشرة من كتاب حيلة البرء ولو أن رجلا شابا حسن اللحم خصب البدن في وقت القيظ وفي وقت منتهى الحمى وليس في أحشاءه ورم استحم بماء بارد أو سبح فيه لا نتفع بذلك وقال ونحن نأمر بذلك بلا توقف وقال الرازي في كتابه الكبير إذا كانت القوة قوية والحمى حادة جدا والنضج بين ولا ورم في الجوف ولا فتق ينفع الماء البارد شربا وإن كان العليل خصب البدن والزمان حار وكان معتادا لاستعمال الماء البارد من خارج فليؤذن فيه


فصل في هديه في العلاج بشرب العسل والحجامة والكي


في صحيح البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الشفاء في ثلاث شربة عسل وشرطة محجم وكية نار وأنا أنهي أمتي عن الكي قال أبو عبد الله المازري الأمراض الامتلائية إما أن تكون دموية أو صفراوية أو بلغمية أو سوداوية فإن كانت دموية فشفاؤها إخراج الدم وإن كانت من الأقسام الثلاثة الباقية فشفاؤها بالإسهال الذي يليق بكل خلط منها وكأنه صلى الله عليه وسلم نبه بالعسل على المسهلات وبالحجامة على الفصد وقد قال بعض الناس إن الفصد يدخل في قوله شرطة محجم فإذا أعيا الدواء فآخر الطب الكي فذكره صلىالله عليه وسلم من الأدوية لأنه يستعمل عند غلبة الطباع لقوي الأدوية وحيث لا ينفع الدواء المشروب وقوله أنا انهى أمتي عن الكي وفي الحديث الاخر وما أحب أن أكتوي إشارة إلى أن يؤخر العلاج به حتى تدفع الضرورة إليه ولا يعجل التداوي به لما فيه من استعجال الألم الشديد في دفع ألم قد يكون أضعف من ألم الكي انتهى كلامه وقال بعض الأطباء الأمراض المزاجية إما أن تكون بمادة أو بغير مادة والمادية منها إما حارة أو باردة أو رطبة أو يابسة أو ما تركب منها وهذه الكيفيات الأربع منها كيفيتان فاعلتان وهما الحرارة والبرودة وكيفيتان منفعلتان وهما الرطوبة واليبوسة ويلزم من غلبة إحدى الكيفيتين الفاعلتين استصحاب كيفية منفعلة معها وكذلك كان لكل واحد من الأخلاط الموجودة في البدن وسائر المركبات كيفيتان فاعلة ومنفعلة فحصل من ذلك أن أصل الأمراض المزاجية هي التابعة لأقوى كيفيات الأخلاط التي هي الحرارة والبرودة فجاء كلام النبوة في أصل معالجة الأمراض التي هي الحارة والباردة على طريق التمثيل فإن كان المرض حارا عالجناه بإخراج الدم بالفصد كان أو بالحجامه لأن في ذلك استفراغا للمادة وتبريدا للمزاج وإن كان باردا عالجناه بالتسخين وذلك موجود في العسل فإن كان يحتاج مع ذلك إلى استفراغ المادة الباردة فالعسل أيضا يفعل في ذلك لما فيه من الإنضاج والتقطيع والتلطيف والجلاء والتليين فيحصل بذلك استفراغ تلك المادة برفع وأمن من نكاية المسهلات القوية وأما الكي فلأن كل واحد من الأمراض المادية إما أن يكون حادا فيكون سريع الإفضاء لأحد الطرفين فلا يحتاج إليه فيه وإما أن يكون مزمنا وأفضل علاجه بعد الاستفراغ الكي في الأعضاء التي يجوز فيها الكي لأنه لا يكون مزمنا إلا عن مادة باردة غليظة قد رسخت في العضو وأفسدت مزاجه وأحالت جميع ما يتصل إليه إلى مشابهة جوهرها فيشتعل في ذلك العضو فيستخرج بالكي تلك المادة من ذلك المكان الذي هي فيه بإفناء الجزء الناري الموجو بالكي لتلك المادة فتعلمنا بهذا الحديث الشريف أخذ معالجة الأمراض المادية جميعها كما استنبطنا معالجة الأمراض الساذجة من قوله صلى الله عليه وسلم إن شدة الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء فصل وأما الحجامة ففي سنن ابن ماجه من حديث جبارة بن المغلس وهو ضعيف عن كثير بن سليم قال سمعت أنس بن مالك يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مامررت ليلة أسرى بي بملإ إلا قالوا يا محمد مر أمتك بالحجامة وروى الترمذي في جامعه من حديث ابن عباس هذا الحديث وقال فيه عليك بالحجامة يا محمد وفي الصحيحين من حديث طاوس عن ابن عباس إن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أمره وفي الصحيحين أيضا عن حميد الطويل عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة فأمر له بصاعين من طعام وكلم مواليه فخفضوا عنه من ضريبته وقال خير ما تداويتم به الحجامة وفي جامع الترمذي عن عباد بن منصور قال سمعت عكرمة يقول كان لابن عباس غلمة ثلاثة حجامون فكان اثنان يغلان عليه وعلى أهله وواحد لحجمه وحجم أهله قال وقال ابن عباس قال نبي الله صلى الله عليه وسلم نعم العبد الحجام يذهب الدم ويجفف الصلب ويجلو عن البصر وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث عرج به ما مر على ملإ من الملائكة إلا قالوا عليك بالحجامة وقال إن خير ما يحتجمون فيه يوم سبع عشرة ويوم تسع عشرة ويوم إحدى وعشرين وقال إن خير ما تداويتم به السعوط واللدود والحجامة والمشي وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لد فقال من لدني فكلهم أمسكوا فقال لا يبقى أحد في البيت إلا لد إلا العباس قال هذا حديث غريب ورواه ابن ماجة


هدية صلى الله عليه وسلم في الشرب


روى عبدالله بن المبارك والبيهقى وغيرهما عن النبى إذا شرب أحدكم فليمص الماء مصا ولا يعب عبا فان الكياد من العب والكياد بضم الكاف وتخفيف الباء وهو وجع الكبد وقد علم بالتجربة أن ورود الماء جملة واحدة على الكبد يؤلمها ويضعف حرارتها وسبب ذلك المضادة التي بين حرارتها وبين ما ورد عليها من كيفية المبرود وكميته ولو ورد بالتدريج شيئا فشيئا لم يضادحرارتها ولم يضعفها وهذا مثاله صب الماء البارد على القدر وهى تفور لا يضرها صبه قليلا قليلا وقد روى الترمذى في جامعه عنه لا تشربوا نفسا واحدا كشرب البعير ولكن اشربوا مثنى وثلاث وسموا إذا أنتم شربتم واحمدوا إذا انتم فرغتم وللتسمية في أول الطعام والشراب وحمد الله في آخره تأثير عجيب في نفعه واستمرائه ودفع مضرته قال الأمام أحمد إذا جمع الطعام أربعا فقد كمل إذا ذكر اسم الله في أوله وحمد الله في آخره وكثرت عليه الأيدي وكان من حل فصل وقد روى مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبدالله قال سمعت رسول الله يقول غطوا الإناء وأوكوا السقاء فأن في السنة ليلة ينزل فيها الوباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء وسقاء ليس عليه وكاء إلا وقع فيه من ذلك الداء وهذا مما لا تناله علوم الأطباء ومعارفهم وقد عرفه من عرفه من عقلاء الناس وبالتجربة قال الليث بن سعد أحد رواة الحديث الأعاجم عندنا يتقون تلك الليلة في السنة في كانون الأول منها وصح عنه أنه أمر بتخمير الإناء ولوأن يعرض عليه عودا وفي عرض العود عليه من الحكمة انه لا ينسى تخميره بل يعتاد حتى بالعود وفيه انه ربما أراد الدبيب أن يسقط فيه فيمر على العود فيكون العود جسرا له يمنعه من السقوط فيه وصح عنه أنه أمر عند ايكاء الإناء بذكر اسم الله فان ذكر اسم الله عند تخمير الإناء يطرد عنه الشياطين وإبكاؤه يطرد عنه الهوام ولذلك أمر بذكر اسم الله في هذين موضعين لهذين المعنيين وروى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس أن رسول الله نهى عن الشرب من في السقاء وفي هذا آداب عديدة منها أن تردد أنفاس الشارب فيه يكسبه زهومة ورائحة كريهة يعاف لأجلها ومنها أنه ربما غلب الداخل إلى جوفه من الماء فتضرر به ومنها انه ربما كان فيه حيوان لا يشعر به فيؤذيه ومنها أن الماء ربما كان فيه قذاة أو غيرها لا يراها عند الشرب فتلج جوفه ومنها أن الشرب كذلك يملا البطن من الهواء فيضيق عن أخذ حظه من الماء أو يزاحمه أو يؤذيه ولغير ذلك من الحكم فان قيل فما تصنعون بما في جامع الترمذى أن رسول الله دعا باداوة يوم أحد فقال اختنث قم الاداوة ثم شرب منها من فمها قلنا نكتفى فيه بقول الترمذي هذا حديث ليس إسناده بصحيح عبدالله ابن عمر العمرى يضعف من قبل حفظه ولا أدرى سمع من عيسى أو لا انتهى يريد عيسى بن عبدالله الذي رواه عنه عن رجل من الأنصار فصل وفي سنن أبي داود من حديث أبي سعيد الخدري قال نهى رسول الله عن الشرب في ثلمة القدح وأن ينفخ في الشراب وهذه من الآداب التي يتم بها مصلحة الشارب فان الشرب من ثلمة القدح فيه عدة مفاسد أحدها أن ما يكون على وجه الماء من قذى أو غيره يجتمع إلى الثلمة بخلاف الجانب الصحيح والثاني انه ربما شوش على الشارب ولم يتمكن من حسن الشرب من الثلمة الثالث أن الوسخ والزهومة تجتمع في الثلمة ولا يصل إليها الغسل كما يصل إلى الجانب الصحيح الرابع أن الثلمة محل العيب في القدح وهى اردأ مكان فيه فينبغي تجنبه وقصد الجانب الصحيح فإن الرديء من كل شئ لا خير فيه ورأى بعض السلف رجلا يشترى حاجة رديئة فقال لا تفعل أما علمت أن الله نزع البركة من كل رديء الخامس أنه ربما كان في الثلمة شق أم تحديد يجرح فم الشارب ولغير هذه من المفاسد وآما النفخ في الشراب فانه يكسبه من فم النافخ رائحة كريهة يعاف لأجلها ولا سيما أن كان متغير الفم وبالجملة فأنفاس النافخ تخالطه ولهذا جمع رسول الله بين النهى عن التنفس في الإناء والنفخ فيه في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه عن ابن عباس رضى الله عنهما قال نهى رسول الله أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه فان قيل فما تصنعون بما في الصحيحين من حديث أنس أن رسول الله كان يتنفس في الإناء ثلاثا قيل نقابله بالقبول والتسليم ولا معارضة بينه وبين الأول فان معناه أنه كان يتنفس في شربه ثلاثا وذكر الإناء لأنه آلة الشرب وهذا كما جاء في الحديث الصحيح أن إبراهيم ابن رسول الله مات في الثدي أي في مدة الرضاع فصل وكان يشرب اللبن خالصا تارة ومشوبا بالماء أخرى وفي شرب اللبن الحلو في تلك البلاد الحارة خالصا ومشوبا نفع عظيم في حفظ الصحة وترطيب البدن ورى الكبد ولا سيما اللبن الذي ترعى دوابه الشيح والقيصوم والخزامى وما أشبهها فان لبنها غذاء مع الأغذية وشراب مع الأشربة وداء مع الأدوية وفي جامع الترمذى عنه إذا أكل أحدكم طعاما فليقل اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه وإذا سقى لبنا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه فانه ليس شئ يجزئ من الطعام والشراب ألا اللبن قال الترمذى هذا حديث حسن


فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في قطع العروق والكي


ثبت في الصحيح من حديث جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى أبي ابن كعب طبيبا فقطع له عرقا وكواه عليه ولما رمى سعد بن معاذ في أكحله حسمه النبي صلى الله عليه وسلم ثم ورمت فحسمه ثانيه والحسم هو الكي وفي طريق آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن معاذ في أكحله بمشقص ثم حسمه سعد بن معاذ أو غيره من أصحابه وفي لفظ آخر أن رجلا من الأنصار رمى في أكحله بمشقص فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فكوى وقال أبو عبيد وقد اتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل نعت له الكي فقال اكووهأ وأرضفوه قال أبو عبيدة الرضف الحجارة تسخن ثم تكمد بها وقال الفضل بن دكين حدثنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كواه في أكحله وفي صحيح البخاري من حديث أنس أنه كوى من ذات الجنب والنبي صلى الله عليه وسلم حي وفي الترمذي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى أسعد بن زرارة من الشوكة وقد تقدم الحديث المتفق عليه وفيه وما أحب أن أكتوى وفي لفظ آخر وأنا أنهى أمتي عن الكي وفي جامع الترمذي وغيره عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الكي قال فابتلينا فاكتوينا فما أفلحنا ولا أبححنا وفي لفظ نهينا عن الكي وقال فما أفلحنا ولا أبحعنا قال الخطابي إنما كوى سعدا ليرفأ الدم من جرحه وخاف عليه أن ينزف فيهلك والكي مستعمل في هذا الباب كما يكوى من تقطع يده أو رجله وأما النهي عن الكي فهو أن يكتوى طلبا للشفاء وكانوا يعتقدون أنه متى لم يكتو هلك فنهاهم عنه لأجل هذه النية وقيل إنما نهى عنه عمران بن حصين خاصة لأنه كان به ناصور وكان موضعه خطرا فنهى عن كيه فيشبه أن يكون النهي متصرفا إلى الموضع المخوف منه والله تعالى أعلم وقال ابن قتيبة الكي جنسان كي الصحيح لئلا يعتل فهذا الذي قيل فيه لم يتوكل من اكتوى لأنه يريد أن يدفع القدر عن نفسه والثاني كي الجرح إذا نغل والعضو إذا قطع ففي هذا الشفاء وأما إذا كان الكي للتداوي الذي يجوز أن ينجح ويجوز أن لا ينجح فإنه إلى الكراهة أقرب انتهى وثبت في الصحيح من حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب أنهم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون فقد تضمنت أحاديث الكي أربعة أنواع أحدها فعله والثاني عدم محبته له والثالث الثناء على من تركه والرابع النهي عنه ولا تعارض بينها بحمد الله تعالى فإن فعله يدل على جوازه وعدم محبته له لا يدل على المنع منه وأما الثناء على تاركه فيدل على أن تركه أولى وأفضل وأما النهي عنه فعلى سبيل الأختيار والكراهة أو عن النوع الذي لا يحتاج إليه بل يفعل خوفا من حدوث الداء والله أعلم


حرف الشين شونيز هو الحبة السوداء وقد تقدم في حرف الحاء شبرم روى الترمذى وابن ماجة في سننهما من حديث اسماء بنت عميس قالت قال رسول الله بماذا كنت تستمشين قالت بالشبرم قال حار يار الشبرم شجر صغير وكبير كقامة الرجل وارجح له قضبان حمر ملمعة ببياض وفي رؤوس قضبانه جمة من ورق وله نور صغار أصفر إلى البياض ويسقط ويخلفه مراود صغار فيها حب صغير مثل البطم في قدره أحمر اللون ولها عروق عليها قشور حمر والمستعمل منه قشر عروقه ولبن قضبانه وهو حار يابس في الدرجة الرابعة ويسهل السوداء والكيموسات الغليظة والماء الأصفر والبلغم ومكرب مغث والاكثار منه يقتل وينبغى اذا استعمل ان ينقع في اللبن الحليب يوما وليلة ويغير عليه اللبن في اليوم مرتين او ثلاثا ويخرج ويجفف في الظل ويخلط معه الورد والكثيراء ويشرب بماء العسل أو عصير العنب والشربة منه ما بين اربع دوانق إلى دانقين على حسب القوة قال حنين اما لبن الشبرم فلا خير فيه ولا ارى شربه البته فقد قتل به اطباء الطرقات كثيرا من الناس شعير روى ابن ماجة من حديث عائشة قالت كان رسول الله إذا اخذ احدا من أهله الوعك امر بالحساء من الشعير فصنع ثم امرهم فحسوا منه ثم يقول انه ليرتو فؤاد الحزين ويسرو عن الفؤاد السقيم كما تسرو احداكن الوسخ بالماء عن وجهها ومعنى يرتوه يشده ويقويه ويسرو بكشف ويزيل وقد تقدم ان هذا هو ماء الشعير المغلى وهو اكثر غذاء من سويقه وهو نافع للسعال وخشونة الحلق صالح لقمع حدة الفضول مدر للبول جلاء لما فى المعدة قاطع للعطش مطفىء للحرارة وفيه قوة يجلو بها ويلطف ويحلل وصفته أن يؤخذ من الشعير الجيد المرضوض مقدار ومن الماء الصافى العذب خمسة أمثاله ويلقى في قدر نظيف ويطبخ بنار معتدلة إلى ان يبقى منه خمساه ويصفى ويستعمل منه مقدار الحاجة محلا شوى قال الله تعالى في ضيافة خليله ابراهيم عليه السلام لاضيافه فما لبث ان جاء بعجل حنيذ والحنيذ المشوى على الرضف وهى الحجارة المحماة وفي الترمذىعن أم سلمة رضى الله عنها أنها قربت إلى رسول الله جبنا مشويا فأكل منه ثم قام الى الصلاة وما توضأ قال الترمذى حديث صحيح وفيه ايضا عن عبدالله بن الحرث قال اكلنا مع رسول الله وشواء في المسجد وفيه ايضا عن مغيرة بن شعبة قال ضفت مع رسول الله ذات ليلة فأمر بجنب فشوى ثم اخذ الشفرة فجعل يجزلى بها منه قال فجاء بلاب يؤذن للصلاة فالقى الشفرة فقال ماله تربت يداه انفع الشوى شوى الضأن الحولى ثم العجل اللطيف السمين وهو حار رطب إلى اليبوسة كثير التوليد للسوداء وهو من اغذية الأقوياء والأصحاء والمرتاضين والمطبوخ أنفع وأخف على المعدة وأرطب منه ومن المطجن واردؤه المشوى في الشمس والمشوى على الجمر خير من المشوى باللهيب وهو الحنيذ شحم وثبت في المسند عن أنس أن يهوديا أضاف رسول الله فقدم له خبز شعير وإهالة سنخة والاهالة الشحم المذاب والألية والسنخة المتغيرة وثبت في الصحيح عن عبدالله بن مغفل قال دلى جراب من شحم ويوم خيبر فالتزمته وقلت والله لا أعطى أحدا منه شيئا فالتفت فإذا رسل الله يضحك ولم يقل شيئا أجود الشحم ما كان من حيوان مكتمل وهو حار رطب وهو أقل رطوبة من السمن ولهذا لو اذيب الشحم والسمن كان الشحم اسرع جمودا وهو ينفع من خشونه الحلق ويرخى ويعفن ويدفع ضرره بالليمون المملوح والزنجبيل وشحم المعز أقبض الشحوم وشحم التيوس أشد تحليلا وينفع من قروح الأمعاء وشحم العنز أقوى في ذلك ويحتقن به للسحج والزحير


فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج حكة الجسم وما يولد القمل


جاء في الصحيحين من حديث قتادة عن أنس بن مالك قال رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهما في لبس الحرير لحكة كانت بهما وفي رواوية أن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهما شكوا القمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة لهما فرخص لهما في قمص الحرير ورأيته عليهما هذا الحديث يتعلق به أمران أحدهما فقهى والآخر طبي فأما الفقهي فالذي استقرت عليه سنته صلى الله عليه وسلم أباحه الحرير للنساء مطلقا وتحريمه على الرجال إلا لحاجة أو مصلحة راجحة فالحاجة إما من شدة البرد ولا يجد غيره أو لا يجد ستره سواه ومنها إلباسه للحرب والمرض والحكة وكثرة القمل كما دل عليه حديث أنس هذا الصحيح والجواز أصح الروايتين عن الإمام أحمد وأصح قول الشافعي إذ الأصل عدم التخصيص والرخصة إذا ثبتت في حق بعض الأمة لمعنى تعدت إلى كل من وجد فيه ذلك المعنى إذ الحكم يعم بعموم سببه ومن منع منه قال أحاديث التحريم عامة وأحاديث الرخصة يحتمل اختصاصها بعبد الرحمن بن عوف والزبير ويحتمل تعديها إلى غيرهما وإذا احتمل الأمران كان الأخذ بالعموم أولى ولهذا قال بعض الرواة في هذا الحديث فلا أدري أبلغت الرخصة من بعدهما أم لا والصحيح عموم الرخصة فإنه عرف خطاب الشرع في ذلك ما لم يصرح بالتخصيص وعدم إلحاق غير من رخص له أولا به كقوله لأبي بردة تجزيك ولن تجزي عن أحد بعدك وكقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في نكاح من وهبت نفسها له خالصة لك من دون المؤمنين وتحريم الحرير إنما كان سدا للذريعة ولهذا أبيح للنساء وللحاجة والمصلحة الراجحة وهذه قاعدة ماحرم لسد الذرائع فإنه يباح عند الحاجة والمصلحة الراجحة كما حرم النظر سدا لذريعة الفعل وأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة والمصلحة الراجحة وكما حرم التنفل بالصلاة في أوقات النهي سدا لذريعة المشابهة الصورية بعباد الشمس وأبيحت للمصلحة الراجحة وكما حرم ربا الفضل سدا لذريعة ربا النسيئة وأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة من العرايا وقد أشبعنا الكلام فيما يحل ويحرم من لباس الحرير في كتاب التحبير لما يحل ويحرم من لباس الحرير فصل وأما الأمر الطبي فهو ان الحرير من الأدوية المتخذة من الحيوان ولذلك يعد في الأدوية الحيوانية لأن مخرجه من الحيوان وهو كثير المنافع جليل الموقع ومن خاصيته تقوية القلب وتفريحه والنفع من كثير من أمراضه ومن غلبة المرة السوداء والأدواء الحادثة عنها وهو مقو للبصر إذا اكتحل به والخام منه وهو المستعمل في صناعة الطب حار يابس في الدرجة الأولى وقيل حار رطب فيها وقيل معتدل في صناعة الطب وإذا اتخذ منه ملبوس كان معتدل الحرارة في مزاجه مسخنا للبدن وربما برد البدن بتسمينه إياه


فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في تغذية المريض بألطف ما اعتاده من الأغذية


في الصحيحين من حديث عروة عن عائشة أنها كانت إذا مات الميت من أهليها فاجتمع لذلك النساء ثم تفرقن إلا أهلها وخاصتها أمرت ببرمة من تلبينه فطبخت ثم صنع ثريد فصبت التلبينة عليها ثم قالت كلن منها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول التلبينة مجمة لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن وفي السنن من حديث عائشة ايضا قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بالبغيض النافع التلبين قالت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى أحد من أهله لم تزل البرمنة على النار حتى ينتهي أحد طرفيه يعني يبرأ أو يموت وعنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قيل له إن فلانا وجع لا يطعم الطعام قال عليكم بالتلبينة فحسوه إياها ويقول والذي نفسي بيده إنها تغسل بطن أحدكم كما تغسل إحداكن وجهها من الوسخ التلبين هو الحساء الرقيق الذي هو في قوام اللبن ومنه اشتق اسمه قال الهروي سميت تلبينة لشهها باللبن لبياضها ورقتها وهذا الغذاء هو النافع للعليل وهو الرقيق النضيج لا الغليظ النيء وإذا شئت أن تعرف فضل التلبينة فاعرف فضل ماء الشعير بل هي أفضل من ماء الشعير لهم فإنها حساء متخذ من دقيق الشعير بنخالته والفرق بينها وبين ماء الشعير أنه يطبخ صحاحا والتلبينة تطبخ منه مطحونا وهي أنفع منه لخروج خاصية الشعير بالطحن وقد تقدم أن للعادات تأثيرا في الانتقاع بالأدوية والأغذية وكانت عادة القوم أن يتخذوا ماء الشعير منه مطحونا لا صحاحا وهو أكثر تغذية وأقوى فعلا وأعظم جلاء وإنما اتخذه أطباء المدن منه صحاحل ليكون أرق وألطف فلا يثقل على طبيعة المريض وهذا بحسب طبائع أهل المدن ورخاوتها ويثقل ماء الشعير المطحون عليها والمقصود أن ماء الشعير مطبوخاصحاحا ينفذ سريعا ويجلو جلاء ظاهرا ويغذى غذاء لطيفا وإذا شرب حارا كان اجلاؤه أقوى ونفوذه أسرع وإنماؤه للحرارة الغريزية أكثر وتلميسه لسطوح المعدة أوفق وقوله صلى الله عليه وسلم فيها مجمة لفؤاد المريض يروى بوجهين بفتح الميم والجيم وبضم الميم وكسر الجيم والأول أشهر ومعناه أنها مريحة له أي تريحه وتسكنه من الإجمام وهو الراحة وقوله ويذهب ببعض الحزن هذا والله أعلم لأن الغم والحزن يبردان المزاج ويضعفان الحرارة الغريزية لميل الروح الحامل لها إلى جهة القلب الذي هو منشؤها وهذا الحساء يقوي الحرارة الغريزية بزيادته في مادتها فتزيل أكثر ما عرض له من الغم والحزن وقد يقال وهو أقرب أنها تذهب ببعض الحزن بخاصية فيها من جنس خواص الأغذية المفرحة فإن من الأغذية ما يفرح بالخاصية والله أعلم وقد يقال إن قوي الحزين تضعف باستيلاء اليبس على أعضائه وعلى معدته خاصة لتقليل الغذاء وهذا الحساء يرطبها ويقويها ويغذيها ويفعل مثل ذلك بفؤاد المريض لكن المريض كثيرا ما يجتمع في معدته خلط مراري ولمغمى او صديدي وهذا الحساء يجلو ذلك عن المعدة ويسرره ويحدره ويميعه ويعدل كيفيته ويكسر سورته فيريحها ولا سيما لمن عادته الاغتذاء بخبز الشعير وهي عادة أهل المدينة إذ ذاك وكان هو غالب قوتهم وكانت الحنطة غزيرة عندهم والله أعلم


فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الأورام والخراجات التي تبرأ بالبط والبزل


يذكر عن علي أنه قال دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل يعوده بظهره ورم فقالوا يا رسول الله بهذه مدة قال بطوا عنه قال علي فما برحت حتى بطت والنبي صلى الله عليه وسلم شاهد ويذكر عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر طبيبا أن ببط بطن رجل أجوى البطن فقيل يا رسول الله هل ينفع الطب قال الذي أنزل الداء أنزل الشفاء فيما شاء الورم مادة في حجم العضو لفضل مادة غير طبيعية تنصب إليه وتوجد في اجناس الأمراض كلها والمواد التي يكون عنها من الأخلاط الأربعة والمائية والريح وإذا اجتمع الورم سمى خراجا وكل ورم حار يؤول أمره إلى أحد ثلاثة أشياء إما تحلل وإما جمع مدة وإما استحالة إلى الصلابة فإن كانت القوة قوية استولت على مادة الورم وحللته وهي أصلح الحالات التي يؤول حال الورم إليها وإن كانت دون ذلك أنضجت المادة وأحالتها مدة بيضاء وفتحت لها مكانا أسالتها منه وإن نقصت عن ذلك أحالت المادة مدة غير مستحكمة النضج وعجزت عن فتح مكان في العضو تدفعها منه فيخاف على العضو الفساد يطول لبسها فيه فيحتاج حينئذ إلى إعانة الطبيب بالبط أو غيره لإخراج تلك المادة الرديئة المفسدة للعضو وفي البط فائدتان إحداهما إخراج المادة الرديئة المفسدة والثانية منع اجتماع مادة أخرى إليها تقويها وأما قوله في الحديث الثاني إنه أمر طبيبا أن يبط بطن رجل أجوى البطن فالجوى يقال على معان منها الماء المنتن الذي يكون في البطن يحدث عنه الاستسقاء وقد اختلف الأطباء في بزله لخروج وهذه المادة فمنعه طائفة منهم لخطره وبعد السلامة معه وجوزته طائفة أخرى وقالت لا علاج له سواه وهذا عندهم إنما هو في الاستسقاء الزقي فإنه كما تقدم ثلاث أنواع طبلى وهو الذي ينتفخ معه البطن بمادة ريحية إذا ضربت عليه سمع له صوت كصوت الطبل ولحمى وهو الذي يربو معه لحم جميع البدن مبادة بلغمية تفشو مع الدم في الأعضاء وهو أصعب من الأول وزقي وهو الذي يجتمع معه في البطن الأسفل مادة رديئة يسمع لها عند الحركة خضخضة كخضخضة الماء في الزق وهو أردأ أنواعه عند الأكثري من الأطباء وقالت طائفة أردأ أنواعه اللحمي لعموم الآفة به ومن جملة علاج الزقي إخراج ذلك الماء بالبزل ويكون ذلك بمزلة فصد العروقلإخراج الدم الفاسد لكنه خطر كما تقدم وإن ثبت هذا الحديث فهو دليل على جواز بزلة والله أعلم


فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج ذات الجنب


روى الترمذي في جامعه من حديث زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال تداووا من ذات الجنب بالقسط البحري والزيت ذات الجنب عند الأطباء نوعان حقيقي وغير حقيقي فالحقيقي ورم حار يعرض في نواحي الجنب في الغشاء المستبطن للإضلاع وغير الحقيقي ألم يشبهه يعرض في نواحي الجنب عن رياح غليظة مؤذية تحتقن بين الصفاقات فتحدث وجعا قريبا من وجع ذات الجنب الحقيقي إلا أن الوجع في هذا القسم ممدود وفي الحقيقي ناخس قال صاحب القانون قد يعرض في الجنب والصفاقات والعضل التي في الصدر والأضلاع ونواحيها أورام مؤذية جدا موجعة تسمى شوصة وبرساما وذات الجنب وقد تكون أيضا اوجاعا في هذه الأعضاء ليس من ورم ولكن من رياح غليظة فيظن أنها من هذه العلة ولا تكون قال واعلم أن كل وجع في الجنب قد يسمى ذات الجنب اشتقاقا من مكان الألم لأن معنى ذات الجنب صاحبة الجنب والغرض به ههنا وجع الجنب فإذا عرض في الجنب ألم عن أي سبب كان نسب إليه وعليه حمل كلام بقراط في قوله إن أصحاب ذات الجنب ينتفعون بالحمام وقيل المراد به كل من به وجع جنب أو وجع رئة من سوء مزاج أو من أخلاط غليظة أو لذاعة من غير ورم ولا حمى قال بعض الأطباء وأما معنى ذات الجنب في لغة اليونان فهو ورم الجنب الحار وكذلك ورم كل واحد من الأعضاء الباطنة وإنما سمى ذات الجنب ورم ذلك العضو إذاكان ورما حارا فقط ويلزم ذات الجنب الحقيقي خمسة أعراض وهي الحمى والسعال والوجع الناخس وضيق النفس والنبض المنشاري والعلاج الموجود في الحديث ليس هو لهذا القسم لكن للقسم الثاني الكائن عن الريح الغليظة فإن القسط البحري وهو العود الهندي على ما جاء مفسرا في احاديث آخر صنف من القسط إذا دق دقا ناعما وخلط بالزيت المسخن ودلك به مكان الريح المذكور أو لعق كان دواء موافقا لذلك نافعا له محللآ لمادته مذهبا لها مقويا للأعضاء الباطنة مفتحا للسدد والعود المذكور في منافعه كذلك قال المسيحي العود حار يابس قابض يحبس البطن ويقوي الأعضاء الباطنة ويطرد الريح ويفتح السدد نافع من ذات الجنب ويذهب فضل الرطوبة والعود المذكور جيد للدماغ قال ويجوز أن ينفع القسط من ذات الجنب الحقيقية ايضا إذا كان حدوثها عن مادة بلغمية لا سيما في وقت انحطاط العلة والله أعلم


فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الصداع والشقيقة


روى ابن ماجه في سننه حديثا في صحته نظر هو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صدع غلف رأسه بالحناء ويقول إنه نافع بإذن الله من الصداع والصداع ألم في بعض أجزاء الرأس أو في كله فما كان منه في أحد شقى الرأس لازما يسمى شقيقة وإن كان شاملا لجميعه لازما يسمى بيضة وخوذة تشبيها ببيضة السلاح التي تشتمل على الرأس كله وربما كان في مؤخر الرأس أو في مقدمه وأنواعه كثيرة وأسبابه مختلفة وحقيقة الصداع سخونة الرأس واحتماؤه لما دار فيه من البخار الذي يطلب النفوذ من الرأس فلا يجد منفذا فيصدعه كما يصدع الوعاء إذا حمى ما فيه وطلب النفوذ فكل شيء رطب إذا حمى طلب مكانا أوسع من مكانه الذي كان فيه فإذا عرض هذا البخار في الرأس كله بحيث لا يمكنه التفشي والتحلل وجال في الرأس سمى السدر والصداع يكون عن أسباب عديدة أحدها من غلبةواحدة من الطبائع الأربعة والخامس يكون من قروح تكون في المعدة فيألم الرأس لذلك الورم للاتصال من العصب المنحدر من الرأس بالمعدة والسادس من ريح غليظة تكون في المعدة فتصعد إلى الرأس فتصدعه والسابع يكون من ورم في عروق المعدة فيألم الرأس بألم المعدة للاتصال الذي بينهما والثامن صداع يحصل من امتلاء المعدة من الطعام ثم ينحدر ويبقى بعضه نيئا فيصدع الرأس ويثقله والتاسع يعرض بعد الجماع لتخلل الجسم فيصل إليه من حر الهواء أكثر من قدره والعاشر صداع يحصل بعد القىء والاستفراغ إما لغلبة اليبس وإما لتصاعد الإبخرة من المعدة إليه والحادي عشر صداع يعرض عن شدة الحر وسخونة الهواء والثاني عشر ما يعرض من شدة البرد وتكاثف الأبخرة في الرأس وعدم تحللها والثالث عشر ما يحدث من السهر وحبس النوم والرابع عشر ما يحدث من ضغط الرأس وحمل الشيء الثقيل عليه والخامس عشر ما يحدث من كثرة الكلام فتضعف قوة الدماغ لأجله والسادس عشر ما يحدث من كثرة الحركة والرياضة المفرطة والسابع عشر ما يحدث من الأعراض النفسانية كالهموم والغموم والأحزان والوسواس والأفكار الرديئة والثامن عشر ما يحدث من شدة الجوع فإن الأبخرة لا تجد ما تعمل فيه فتكثر وتتصاعد إلى الدماغ فتؤلمه والتاسع عشر ما يحدث من ورم في صفاق الدماغ ويجد صاحبه كأنه يضرب بالمطارق على رأسه والعشرون ما يحدث بسبب الحمى لاشتعال حرارتها فيه فيتألم والله أعلم


فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج المفؤود


روى أبو داود في سننه من حديث مجاهد عن سعد قال مرضت مرضا فأتاني رسول الله صلى لله عليه وسلم يعودني فوضع يده بين ثديي حتى وجدت بردها على فؤادي وقال لي إنك رجل مفؤود فأت الحرث بن كلدة من ثقيف فإنه رجل يتطبب فليأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة فليجاهن بنواهن ثم ليلدك بهن المفؤود الذي أصيب فؤاده فهو يشتكيه كالمبطون الذي يشتكي بطنه واللدود ما يسقاه الإنسان من أحد جانبي الفم وفي التمر خاصية عجيبة لهذا الداء ولا سيما تمر المدينة ولا سيما العجوة منه وفي كونها سبعا خاصية أخرى تدرك بالوحي وفي الصحيحين من حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصبح بسبع تمرات من تمر العالية لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر وفي لفظ من أكل سبع تمرات مما بين لا بينها حين يصبح لم يضره سم حتى يمسي والتمر حار في الثانية يابس في الأولى وقيل رطب فيها وقيل معتدل وهو غذاء فاضل حافظ للصحة لا سيما لمن اعتاد الغذاء به كأهل المدينة وغيرهم وهو من أفضل الأغذية في البلاد الباردة والحارة التى حرارتها في الدرجة الثانية وهو لهم أنفع منه لأهل البلاد الباردة بواطن سكان البلاد الباردة ولذلك يكثر أهل الحجاز واليمن والطائف وما يليهم من البلاد المشابهة لها من الأغذية الحارة مالا يتأتى لغيرهم كالتمر والعسل وشاهدناهم يضعون في أطعمتهم من الفلفل والزنجبيل فوق ما يضعه غيرهم نحوعشرة أضعاف أو أكثر ويأكلون الزنجبيل كما يأكل غيرهم الحلوى ولقد شاهدت من يتنقل به منهم كان يتنقل بالنقل ويوافقهم ذلك ولا يضرهم لبرودة أجوافهم وخروج الحرارة إلى ظاهر الجسد كما تشاهد مياه الآبار تبرد في الصيف وتسخن في الشتاء وكذلك تنضج المعدة من الأغذية الغليظة وفي الشتاء ما لاتنضجه في الصيف وأما أهل المدينة فالتمر لهم يكاد أن يكون بمنزلة الحنطة لغيرهم وهو قوتهم ومادتهم وتمر العالية من أجود أصناف تمرهم فإنه متين الجسم لذيذ الطعم صادق الحلاوة والتمر يدخل في الأغذية والأدوية والفاكهة وهو يوافق أكثر الأبدان مقو للحار الغريزي ولا يتولد عنه من الفضلات الرديئة ما يتولد عن غيره من الأغذية والفاكهة بل يمنع لمن اعتاده من تعفن الأخلاط وفسادها وهذا الحديث من الخطاب الذي أريد به الخاص كأهل المدينة ومن جاورهم ولا ريب أن للأمكنة اختصاصا ينفع كثير من الأدوية في ذلك المكان دون غيره فيكون الدواء الذي قد نبت في هذا المكان نافعا من الداء ولا يوجد فيه ذلك النفع إذا نبت في مكان غيره لتأثير نفس التربة أو الهواء أو هما جميعا فإن للأرض خواص وطبائع يقارب اختلافها اختلاف طبائع الإنسان وكثير من النبات يكون في بعض البلاد غذاء مأكولا وفي بعضها سما قاتلا ورب أدوية لقوم أغذية لاخرين وأدوية لقوم من أمراض هي أدوية لاخرين في أمراض سواها وأدوية لأهل بلاد لا تناسب غيرهم ولا تنفعهم وأما خاصية السبع فإنها قد وقعت قدرا وشرعا فخلق الله عز وجل السموات سبعا والأرضين سبعا والأيام سبعا والإنسان كمل خلقه في سبعة أطوار وشرع الله لعباده الطواف سبعا والسعي بين الصفا والمروة سبعا ورمي الجمار سبعا سبعا وتكبيرات العيدين سبعا في الأولى وقال صلى الله عليه وسلم مروه بالصلاة لسبع وإذا صار للغلام سبع سنين خير بين أبويه في راوية وفي راوية أخرى أبوه أحق به من أمة وفي ثالثه أمه أحق به وأمر النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه أن يصب عليه من سبع قرب وسخر الله الريح على قوم عاد سبع ليال ودعا النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم أن يعينه الله على قومه بسبع كسبع يوسف ومثل الله سبحانه ما يضاعف به صدقه المتصدق بحبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والسنابل التي رآها صاحب يوسف سبعا والسنين التي زرعوها دأبا سبعا وتضاعف الصدقة إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ويدخل الجنة من هذه الأمة بغير حساب سبعون ألفا فلا ريب أن لهذا العدد خاصية ليست لغيره والسبعة جمعت معاني العد كله وخواصه فإن العدد شفع ووتر والشفع أول وثان والوتر كذلك فهذه أربع مراتب شفع أول وثان ووتر أول وثان ولا تجتمع هذه المراتب في أقل من سبعة وهي عدد كامل جامع لمراتب العدد الأربعة أعنى الشفع والوتر والأوائل والثواني ونعني بالوتر الأول الثلاثة وبالثاني الخمسة وبالشفع الأول الاثنين وبالثاني الأربعة وللأطباء اعتناه عظيم بالسبعة ولا سيما في البحارين وقد قال أبقراط كل شي في هذا العالم فهو مقدر على سبعة أجزاء والنجوم سبعة والأيام سبعة وأسنان الناس سبعة أولها طفل إلى سبع ثم صبي إلىأربع عشرة ثم مراهق ثم شاب كهل ثم شيخ ثم هرم إلى منتهى العمر والله تعالى أعلم بحكمته وشرعه وقدره في تخصيص هذا العدد هل هو لهذا المعنى أو لغيره ونفع هذا العدد من هذا التمر من هذا البلد من هذه البقة بعينها من السم والسحر بحيث تمنع أصابته من الخواص التي لو قالها أبقراط وجالينوس وغيرهما من الأطباء لتلقاها عنهم الأطباء بالقبول والإذعان والإنقياد مع أن القائل إنما معه الحدس والتخمين والظن فمن كلامه كله يقين وبرهان ووحي أولى أن تتلقى أقواله بالقبول والتسليم وترك الاعتراض وأدوية السموم تارة تكون بالخاصية كخواص كثير من الأحجار والجواهر واليواقيت والله أعلم


فصل في هدية في علاج استطلاق البطن


في الصحيحين من حديث أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أخي يشتكي بطنه وفي رواية استطلق بطنه فقال أسقه عسلا فذهب ثم رجع فقال قد سقيته فلم يغن عنه شيئا وفي لفظ فلم يرده إلا استطلاقا مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول له اسقه عسلا فقال له في الثالثة أو الرابعة صدق الله وكذب بطن أخيك وفي صحيح مسلم في لفظ له إن أخي عرب بطنه أي فسد هضمه واعتلت معدته والاسم العرب بفتح الراء والذرب أيضا والعسل فيه منافع عظيمة فإنه جلاء للأوساخ التي في العروق والأمعاء وغيرها محلل للرطوبات أكلا وطلاء نافع للمشايخ وأصحاب البلغم ومن كان مزاجه باردا رطبا وهو مغذ ملين للطبيعة حافظ لقوي المعاجين ولما استودع فيه مذهب لكيفيات الأدوية الكريهة منق للكبد والصدر مدر للبول موافق للسعال الكائن عن البلغم وإذا شرب حارا بدهن الورد نفع من نهش الهوام وشرب الأفيون وإن شرب وحده ممزوجا بماء نفع من عضة الكلب الكلب وأكل الفطر القتال وإذا جعل فيهللحم الطري حفظ طراوته ثلاثة أشهر وكذلك إن جعل فيه القثاء والخيار والقرع والباذنجان ويحفظ كثيرا من الفاكهة ستة أشهر ويحفظ جثة الموتى ويسمى الحافظ الأمين وإذ لطخ به البدن المقمل والشعر قتل قمله وصئبانه وطول الشعر وحسنه ونعمه وإن اكتحل به جلا ظلمة البصر وإن استن به يبض الأسنان وصقلها وحفظ صحتها وصحة اللثة ويفتح أفواه العروق ويدر الطمث ولعقه على الريق يذهب البلغم ويغسل خمل المعدة ويدفع الفضلات عنها ويسخنها تسخينا معتدلا ويفتح سددها ويفعل ذلك بالكبد والكلىوالمثانة وهو أقل ضررا لسدد الكبد والطحال من كل حلو وهو مع هذا كله مأمون الغائلة قليل المضار مضر بالعرض للصفراويين ودفعها بالخل ونحوه فيعود حينئذ نافعا له جدا وهو غذاء مع الأغذية ودواء مع الأدويه وشراب مع الأشربة وحلو مع الحلو وطلاء مع الأطلية ومفرح مع المفرحات فما خلق لنا شيء في معناه أفضل منه ولا مثله ولا قريب منه ولم يكن معول القدماء إلا عليه وأكثر كتب القدماء لا ذكر فيها للسكر البتة ولا يعرفونه فإنه حديث العهد حدث قريبا وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشربه بالماء على الريق وفي ذلك سر بديع في حفظ الصحة لا يدركه إلا الفطن الفاضل وسنذكر ذلك إن شاء الله عند ذكر هديه في حفظ الصحة وفي سنن ابن ماجة مرفوعا من حديث أبي هريرة من لعق ثلاث غدوات كل شهر لم يصبه عظيم البلاءوفي آثر آخر عليكم بالشفاءين العسل والقرآن فجمع بين الطب البشري والإلهي وبين طب الأبدان وطب الأرواح وبين الدواء الأرضي والدواء السمائي إذا عرف هذا فهذا الذي وصف له النبي صلى الله عليه وسلم العسل كان استطلاق بطنه عن تخمة أصابته عن امتلاء فأمره بشرب العسل لدفع الفضول المجتمعة في نواحي المعدة والأمعاء فإن العسل فيه جلاء ودفع للفضول وكان قد أصاب المعدة أخلاط لزجة تمنع استقرار الغذاء فيه للزوجتها فإن المعدة لها خمل كخمل المنشفة فإذا علقت بها الأخلاط اللزجة أفسدتها وأفسدت الغذاء فدواؤها بما يجلوها من تلك الأخلاط والعسل جلاء والعسل من أحسن ما عولج به هذا الداء لا سيما إن مزج بالماء الحار وفي تكرار سقيه العسل معنى طبي بديع وهو أن الدواء يجب أن يكون له مقدار وكمية بحسب حال الداء إن قصر عنه لم يزله بالكلية وإن جاوزه أوهن القوي فأحدث ضررا آخر فلما أمره أن يسقيه العسل سقاه مقدارا لا يفي بمقاومة الداء ولا يبلغ الغرض فلما أخبره علم أن الذي سقاه لا يبلغ مقدار الحاجة فلما تكرر ترداده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أكد عليه المعاودة ليصل إلى المقدار المقاوم للداء فلما تكررت الشربات بحسب مادة الداء بريء بإذن الله واعتبار مقادير الأدوية وكيفياتها ومقدار قوة المرض والمريض من أكبر قواعد الطب وفي قوله صلى الله عليه وسلم صدق الله وكذب بطن أخيك إشارة إلى تحقيق نفع هذا الدواء وأن بقاء الداء ليس لقصور الدواء في نفسه ولكن لكذب البطن وكثر المادة الفاسدة فيه فأمره بتكرار الدواء لكثرة المادة وليس طبه صلى الله عليه وسلم كطب الأطباء فإن طب النبي صلى الله عليه وسلم متيقن قطعيألهي صادر عن الوحي ومشكاة النبوة وكمال العقل وطب غيره أكثر حدس وظنون وتجارب ولا ينكر عدم انتفاع كثير من المرضى بطب النبوة فإنه إنما ينتفع به من تلقاه بالقبول واعتقاد الشفاء له وكمال التلقي له بالإيمان والإذعان فهذا القرآن الذي هو شفاء لما في الصدور إن لم يتلق هذا التلقى لم يحصل به شفاء الصدور من أدوائها بل لا يزيد المنافقين إلا رجسا إلى رجسهم ومرضا إلى مرضهم وأين يقع طب الأبدان منه فطب النبوة لا يناسب إلا الأبدان الطيبة كما أن شفاء القرآن لا يناسب إلا الأرواح الطيبة والقلوب الحية فأعراض الناس عن طب النبوة كإعراضهم عن الاستشفاء بالقرآن الذي هو الشفاء النافع وليس ذلك لقصور في الدواء ولكن لخبث الطبيعة وفساد المحل وعدم قبوله والله الموفق


ثانيا العلاج النبوى بالادوية الروحانية


فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في العلاج العام لكل شكوى بالرقية الإلهية


روى أبو داود في سننه من حديث أبي الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من اشتكى منكم او اشتكاه أخ له فليقل ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك وأمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء فأجعل رحمتك في الأرض واغفر لنا حوبنا وخطايانا أنت رب الطيبين أنزل رحمة من عندك وشفاء من شفائك على هذا الوجع فيبرأ بإذن الله وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد اشتكيت قال نعم فقال جبريل عليه السلام باسم الله أرقيك من كل داء يؤذيك ومن شرك كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك باسم الله أرقيك فإن قيل فما تقولون في الحديث الذي رواه أبو داود لا رقية إلا من عين أو حمة والحمة ذوات السموم كلها فالجواب أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد به نفي جواز الرقية في غيرها بل المراد به لا رقية أولى وانفع منها في العين والحمة ويدل عليه سياق الحديث فإن سهل بن حنيف قال له لما أصابته العين أو في الرقي خير فقال لا رقية إلا في نفس أو حمة ويدل عليه سائر أحاديث الرقي العامة والخاصة وقد روى أبو داود من حديث أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا رقية إلا من عين أو حمة أو دم لا يرقأ وفي صحيح مسلم عنه أينما رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرقية من العين والحمة والنملة


حرف الخاء خبز ثبت في الصحيحين عن النبى أنه قال تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده نزلا لأهل الجنة وروى أبو داود في سننه من حديث ابن عباس رضى الله عنهما قال كان أحب الطعام إلى رسول الله الثريد من الخبز والثريد من الحيس وروى أبو داود في سننه أيضا من حديث ابن عمر رضى الله عنه قال قال رسول الله وددت أن عندى خبزة بيضاء من برة سمراء ملبقة بسمن ولبن فقام رجل من القوم فاتخذه فجاء به فقال في أى شىء كان هذا السمن فقال في عكة ضب فقال ارفعه وذكر البيهقى من حديث عائشة رضى الله عنها ترفعه أكرموا الخبز ومكن كرامته أن لا ينتظر به الأدم والموقوف أشبه فلا يثبت رفعه ولا رفع ما قبله وأما حديث النهى عن قطع الخبز بالسكين فباطل لا أصل له عن رسول الله وانما المروى النهى عن قطع اللحم بالسكين ولا يصح أيضا قال مهنا سألت احمد عن حديث أبى معشر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها عن النبى لا تقطعوا اللحم بالسكين فإن ذلك من فعل الأعاجم فقال ليس بصحيح ولا يعرف هذا وحديث عمرو بن أمية خلاف هذا وحديث المغيرة يعنى بحديث عمرو بن أمية كان النبى يحتز من لحم الشاه وبحديث المغيرة أنه لما أضافه أمر بجنب فشوى ثم اخذ الشفرة فجعل يحز فصل وأحمد أنواع الخبز أجودها اختمارا وعجينا ثم خبز التنور أجود أصنافه وبعده خبز الفرن ثم خبز الملة في المرتبة الثالثة واجوده ما اتخذ من الحنطة الحديثة وأكثر أنواعه تغذية خبز السميد وهو أبطؤها هضما لقلة نخالته ويتلوه خبز الحوارى ثم الخشكار واحمد أوقات أكله فى آخر اليوم الذى خبز فيه واللين منه أكثر تلينا وغذاء وترطيبا وأسرع انحدارا واليابس بخلافه ومزاج الخبز من البر حار في وسط الدرجة الثانية وقريب من الاعتدال في الرطوبة واليبوسة واليبس يغلب على ما جففته النار منه والرطوبة على ضده وفي خبز الحنطة خاصية وهو أنه يسمن سريعا وخبز القطائف يولد خلطا غليظا والفتيت نفاخ بطىء الهضم والمعمول بالبن مسدد كثير الغذاء بطىء الانحدار وخبز الشعير بارد يابس في الأولى وهو أقل غذاء من خبز الحنظة خل ورى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبدالله رضى الله عنهما أن رسول الله سال أهله الإدام فقالوا ما عندنا إلا خل فدعا به وجعل يأكل ويقول نعم الإدام الخل نعم الإدام الخل وفي سنن ابن ماجة عن أم سعيد رضى الله عنها عن النبى نعم إدام الخل اللهم بارك في الخل ولم يفتقر بيت فيه الخل الخل مركب من الحرارة والبرودة وهى أغلب عليه وهو يابس في الثالثة قوى التجفيف يمنع من انصباب المواد ويلطف الطبيعة وخل الخمر ينفع المعدة الملتهبة ويقمع الصفراء ويدفع ضرر الأدوية القتالة ويحلل اللبن والدم إذا جمدا في الجوف وينفع الطحال ويدبغ المعدة ويعقل البطن ويقطع العطش ويمنع الورم حيث يريد أن يحدث ويعين على الهضم ويضاد البلغم ويلطف الأغذية الغليظة ويرق الدم وإذا شرب بالملح نفع من أكل الفطر القاتل وإذا احتسى قطع العلق المتعلق بأصل الحنك واذا تمضمض به مسخنا نفع من وجع الأسنان وقوى اللثة وهو نافع للداحس إذا طلى به والنملة والأورام الحارة وحرق النار وهو مشه للأكل مطيب للمعدة صالح للسباب وفي الصيف لسكان البلاد الحارة خلال فيه حديثان لا يثبتان أحدهما يروى من حديث أبى أيوب الأنصارى يرفعه يا حبذا المتخللون من الطعام إنه ليس شىء اشد على الملك من بقية تبقى في الفم من الطعام وفيه واصل بن السائب قال البخارى والرازى منكر الحديث وقال النسائى والأزدى متروك الحديث الثانى يروى من حديث ابن عباس قال عبدالله بن احمد سألت أبى عن شيخ روى عنه صالح الوحاظى يقال له محمد بن عبدالملك الأنصارى حدثنا عطاء عن ابن عباس قال نهى رسول الله أن يتخلل بالليط والآس وقال إنهما يسقيان عروق الجذام فقال إنى رأيت محمد بن عبدالملك وكان أعمى يضع الحديث ويكذب وبعد فالخلال نافع اللثة والأسنان حافظ لصحتها نافع من تغير النكهة وأجوده ما اتخذ من عيدان الأخلة وخشب الزيتون والخلاف والتخلل بالقصب والآس والريحان والبادروج مضر


فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الكرب والهم والحزن


أخرجا في الصحيحين من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات السبع ورب الأرض رب العرش الكريم وفي جامع الترمذي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر قال يا حي يا قيوم برحمتك استغيث وفيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أهمه الأمر رفع طرفه إلى السماء فقال سبحان الله العظيم وإذا اجتهد في الدعاء قال يا حي يا قيوم وفي سنن ابي داود عن ابي بكر الصديق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دعوات المكروب اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفه عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت وفيها ايضا عن أسماء بنت عميس قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أعلمك كلمات تقوليهن عند الكرب أو في الكرب الله ربي لا أشرك به شيئا وفي رواية أنها تقال سبع مرات وفي مسند الإمام أحمد عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما أصاب عبدا هم ولا حزن فقال اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن امتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل أسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتباك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله حزنه وهمه وأبدله مكانه فرحا وفي الترمذي عن سعد بن أبي وقاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوة ذي النون إذ دعا ربه وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجيب له وفي رواية إني لأعلم كلمة لا يقولها مكروب إلا فرج الله عنه كلمة أخي يونس وفي سنن أبي داود عن أبي سعيد الخدري قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له ابو أمامة فقال يا أبا أمامة مالي أراك في المسجد في غير وقت الصلاة فقال هموم لزمتني وديون يا رسول الله فقال ألا أعلمك كلاما إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى دينك قال قلت بلى يا رسول الله قال قل إذا أصبحت وإذا أمسيت اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال قال ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي وقضى عني ديني وفي سنن أبي داود عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب وفي المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة وقد قال تعالى واستعينوا بالصبر الصلاة وفي السنن عليكم بالجهاد فإنه من أبواب الجنة يدفع الله به عن النفوس الهم والغم ويذكر عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم من كثرت همومه وغمومه فليكثر من قول ولا حول ولا قوة إلا بالله وثبت في الصحيحين أنها كنز من كنوز الجنة وفي الترمذي أنها باب من أبواب الجنة هذه الأدوية تتضمن خمسة عشر نوعا من الدواء فإن لم تقو على إذهاب داء الهم والغم والحزن فهو داء قد استحكم وتمكنت أسبابه ويحتاج إلى استفراغ كلي الأول توحيد الربوبية الثاني توحيد الإلهية الثالث التوحيد العلمي الاعتقادي الرابع تنزيه الرب تعالى عن أن يظلم عبده أو يأخذه بلا سبب من العبد يوجب ذلك الخامس اعتراف العبد بأنه هو الظالم السادس التوسل إلى الرب تعالى بأحب الأشياء إليه وهو أسماؤه وصفاته ومن أجمعها لمعاني الأسماء والصفات الحي القيوم السابع الاستعانة به وحده الثامن إقرار العبد له بالرجاء التاسع تحقيق التوكل عليه والتفويض إليه والاعتراف له بأن ناصيته في يده يصرفه كيف يشاء وأنه ماض فيه حكمه عدل فيه قضاؤه العاشر أن يرتع قلبه في رياض القرآن ويجعله لقلبه كالربيع للحيوان وأن يستضىء به في ظلمات الشبهات والشهوات وأن يتسلى به عن كل فائت ويتعزى به عن كل مصيبة ويستشفى به من أدواء صدره فيكون جلاء حزنه وشفاء همه وغمه الحادي عشر الاستغفار الثاني عشر التوبة الثالث عشر الجهاد الرابع عشر الصلاة الخامس عشر البراءة من الحول والقوة وتفويضهما إلى من هما بيده


فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج لدغة العقرب بالرقية


روى ابن أبي شيبة في مسنده من حديث عبد الله بن مسعود قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إذ سجد فلدغته عقرب في إصبعه فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لعن الله العقرب ما تدع نبيا ولا غيره قال ثم دعا بإناء فيه ماء وملح فجعل بضع موضع اللدغة في الماء والملح ويقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين حتى سكت ففي هذا الحديث العلاج بالدواء المركب من الأمرين الطبيعي والإلهي فإن في سورة الإخلاص من كمال التوحيد العلمي الاعتقادي وإثبات الاحدية لله المستلزمة نفي كل شركة عنه وإثبات الصمدية المستلزمة لإثبات كل كمال له مع كون الخلائق تصمد إليه في حوائجها أي تقصده الخليقة وتتوجه إليه علويها وسفليها وفي الوالد والولد والكف عنه المتضمن لنفي الأصل والفرع والنظير والمماثل ما اختصت به وصارت تعدل ثلث القرآن ففي اسمه الصمد إثبات كل الكمال وفي نفي الكفء التنزيه عن الشبيه والمثال وفي الأحد نفى كل شريك لذي الجلال وهذه الأصول الثلاث هي مجامع التوحيد وفي المعوذتين الاستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلا فإن الاستعاذة من شر ما خلق تعم كل شر يستعاذ منه سواء كان في الأجسام أو الأرواح والاستعاذة من شر الغاسق وهو الليل وآيته وهو القمر إذا غاب تتضمن الاستعاذة من شر ما ينتشر


ثالثا العلاج النبوى للمصاب بالعين


فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج المصاب بالعين


روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العين حق ولو كان شىء سابق القدر لسبقته العين وفي صحيحه ايضا عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الرقية من الحمة والعين والنملة وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العين حق وفي سنن أبي داود عن عائشة رضي الله عنها قالت كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين وفي الصحيحين عن عائشة قالت أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أوأمر أن نسترقى من العين وذكر الترمذي من حديث سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عروة بن عامر عن عبيد بن رفاعة الزرقي أن أسماء بنت عميس قالت يا رسول الله إن بني جعفر تصيبهم العين أفأسترقى لهم فقال نعم فلو كان شىء يسبق القضاء لسبقته العين قال الترمذي حديث حسن صحيح وروى مالك رحمه الله عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال رأى عامر بن ربيعة سهل بن حنيف يغتسل فقال والله ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة عذراء قال فلبط سهل فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرا فتغيظ عليه وقال علام يقتل أحدكم أخاه ألا بركت اغتسل له فغسل له عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم صب عليه فراح مع الناس وروى مالك رحمه الله ايضا عن محمد بن أبي أمامة بن سهل عن أبيه هذا الحديث وقال فيه إن العين حق توضأ له فتوضأ له وذكر عبد الرزاق عن عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه مرفوعا العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين فإذا استغسل أحدكم فليغتسل ووصله صحيح قال الترمذي يؤمر الرجل العائن بقدح فيدخل كفه في فيه فيتمضمض ثم يمجه في القدح ويغسل وجهه في القدح ثم يدخل يده اليسرى فيصب على ركبته اليمنى في القدح ثم يدخل يده اليمنى فيصب على ركبته اليسرى ثم يغسل داخله إزاره ولا يوضع القدح في الأرض ثم يصب على رأس الرجل الذي يصيبه العين من خلفه صبة واحدة والعين عينان عين إنسية وعين جنية فقد صح عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سعفة فقال استرقوا لها فإن بها النظرة قال الحسين بن مسعود الفراء وقوله سعفة أي نظرة يعنى من الجن يقول بها عين أصابتها من نظر الجن أنفذ من أسنة الرماح ويذكر عن جابر يرفعه إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر وعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من الجان ومن عين الإنسان فأبطلت طائفة ممن قل نصيبهم من السمع والعقل أمر العين وقالوا إنما ذلك أوهام لا حقيقة لها وهؤلاء من أجهل الناس بالسمع والعقل ومن أغلظهم حجابا وأكثفهم طباعا وأبعدهم من معرفة الأرواح والنفوس وصفاتها وأفعالها وتأثيراتها وعقلاء الأمم على اختلاف مللهم ونحلهم لا تدفع أمر العين ولا تنكره وإن اختلفوا في سببه ووجهة تأثير العين فقالت طائفة إن العائن إذا تكيفت نفسه بالكيفية الرديئة انبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين فيتضرر قالوا ولا يستنكر هذا كما لا يستنكر انبعاث قوة سمية من الأفعى تتصل بالإنسان فيهلك وهذا أمر قد اشتهر عن نوع من الأفاعي أنها إذا وقع بصرها على الإنسان هلك فكذلك العائن وقالت فرقة أخرى لا يستبعد أن ينبعث من عين بعض الناس جواهرلطيفة غير مرئية فتتصل بالمعين وتتخلل مسام جسمه فيحصل له الضرر وقالت فرقة أخرى قد أجرى الله العادة يخلق ما يشاء من الضرر عند مقابلة عين العائن لمن يعينه من غير أن يكون منه قوة ولا سبب ولا تأثير أصلا وهذا مذهب منكري الأسباب والقوى والتأثيرات في العالم وهؤلاء قد سدوا على أنفسهم باب العلل والتأثيرات والأسباب وخالفوا العقلاء أجمعين ولا ريب أن الله سبحانه خلق في الأجسام والأوراح قوي وطبائع مختلفة وجعل في كثير منها خواص وكيفيات مؤثرة ولا يمكن العاقل إنكار تأثير الأرواح في الأجسام فإنه أمر مشاهد محسوس وأنت ترى الوجه كيف يحمر حمرة شديدة إذا نظر إليه من يحتشمه ويستحي منه ويصفر صفرة شديدة عند نظر من يخافه إليه وقد شاهد الناس من يسقم من النظر وتضعف قواه هذا كله بواسطة تأثير الأرواح ولشدة ارتباطها بالعين ينسب الفعل إليها وليست هي الفاعلة وإنما التأثير للروح والأرواح مختلفة في طبائعها وقواها وكيفياتها وخواصها فروح الحاسد مؤذية للمحسود أذى بينا ولهذا أمر الله سبحانه رسول أن يستعيذ به من شره وتأثير الحاسد في أذى المحسود أمر لا ينكره إلا من هو خارج عن حقيقة الإنسانية وهو أصل الإصابة بالعين فإن النفس الخبيثة الحاسدة تتكيف بكيفية خبيثة وتقابل المسحود فتؤثر بتلك الخاصية وأشبه الأشياء بهذا الأفعى فإن السم كامن فيها بالقوة فإذا قابلت عدوها انبعث منها قوة غضبية وتكيفت نفسها بكيفية خبيثة مؤذية فمنها ما تشتد كيفيتها وتقوى حتى تؤثر في إسقاط الجنين ومنها ما يؤثر في طمس البصر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأبتروذي الطفيتين من الحيات إنهما يلتمسان البصر ويسقطان الحبل ومنها ما تؤثر في الإنسان كيفيتها بمجرد الرؤية من غير أتصال به لشدة خبث تلك النفس وكيفيتها الخبيثة المؤثرة والتأثير غير موقوف على الاتصالات الجسمية كما يظنه من قل علمه ومعرفته بالطبيعة والشريعة بل التأثير يكون تارة بالاتصال وتارة بالمقابلة وتارة بالرؤية وتارة بتوجيه الروح نحو من يؤثر فيه وتارة بالأدعية والرقي والتعوذات وتارة بالوهم والتخيل ونفس العائن لا يتوقف تأثيرها على الرؤية بل قد يكون أعمى فيوصف له الشيء فتؤثر نفسه فيه وإن لم يره وكثير من العائنين يؤثر في المعين بالوصف من غير رؤية وقد قال تعالى لنبيه وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر وقال قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد فكل عائن حساد وليس كل حاسد عائنا فلما كان الحاسد أعم من العائن كانت الاستعاذة منه استعاذة من العائن وهي سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطئه تارة فإن صادفته مكشوفا لا وقاية عليه أثرت فيه ولا بد وإن صادفته حذر أشاكي السلاح لا منفذ فيه للسهام لم تؤثر فيه وربما ردت السهام على صاحبها وهذا بمثابة الرمي الحسي سواء فهذا من النفوس والأرواح وذاك من الأجسام والأشباح وأصله من إعجاب العائن بالشيء ثم يتبعه كيفية نفسه الخبيثة ثم تستعين على تنفيذ سمها بنظرة إلى المعين وقد يعين الرجل نفسه وقد يعين بغير إرادته بل بطبعه وهذا أردأ ما يكون من النوع الإنساني وقد قال أصحابنا وغيرهم من الفقهاء إن من عرف بذلك حبسه الإمام وأجرى له ما ينفق عليه الى الموت وهذا هو الصواب قطعا
فصل والمقصود العلاج النبوي لهذه العلة وهو أنواع وقد روى أبو داود في سننه عن سهل بن حنيف قال مررنا بسيل فدخلت فاغتسلت فيه فخرجت محموما فنمي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مروا أبا ثابت يتعوذه قال فقلت يا سيدي والرقي صالحة فقال لا رقية إلا في نفس أو حمة أو لدغة والنفس العين يقال أصابت فلانا نفس أي عين والنافس العائن واللدغة بدال مهملة وغين معجمة وهي ضرب العقرب نحوها فمن التعوذات والرقي الإكثار من قراءة المعوذتين وفاتحة الكتاب وآية الكرسي ومنها التعوذات النبوية نحو أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ونحو أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ونحو أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها ومن شر ماذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج منها ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمان ومنها أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه من شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون ومنها اللهم أني أعوذ بوجهك الكريم وكلماتك التامات من شر ما أنت آخذ بناصيته أللهم أنت تكشف المأثم والمغرم اللهم إنه لا يهزم جندك ولا يخلف وعدك سبحانك وبحمدك ومنها أعوذ بوجه الله العظيم الذي لا شيء أعظم منه وبكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر وبأسماء الله الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم من شر ما خلق وذرأ وبرأ ومن شر كل ذي شر لا أطيق شره ومن شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته إن ربي على صراط مستقيم ومنها اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن لا حول ولا قوة إلا بالله أعلم أن الله على كل شيء قدير وإن الله قد أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا اللهم إني أعوذ بك من من شر نفسي وشر الشيطان وشركه ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم وإن شاء قال تحصنت بالله الذي لا إله إلا هو إلهي وإله كل شيء واعتصمت بربي ورب كل شيء وتوكلت على الحي الذي لا يموت واستدفعت الشر بلا حول ولا قوة إلا بالله حسبي الله ونعم الوكيل حسبي الرب من العباد حسبي الخالق من المخلوق حسبي الرازق من المزروق حسبي الله هو حسبي حسبي الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه حسبي الله وكفى سمع الله لمن دعا وليس وراء الله مرمى حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ومن جرب هذه الدعوات والعوذ عرف مقدار منفعتها وشدة الحاجة إليها وهي تمنع وصول أثر العائن وتدفعه بعد وصوله بحسب قوة إيمان قائلها وقوة نفسه واستعداده وقوة توكله وثبات قبله فإنها سلاح والسلاح بضاربه فصل وإذا كان العائن يخشى ضرر عينه وإصابتها للمعين فليدفع شرها بقوله اللهم بارك عليه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعامر بن ربيعة لما عان سهل بن حنيف ألا بركت أي قلت اللهم بارك عليه ومما يدفع به إصابة العين قول ما شاء الله لا قوة إلا بالله روى هشام بن عروة عن أبيه أنه كان إذا رأى شيئا يعجبه أو دخل حائطا من حيطانه قال ما شاء الله لا قوة الا بالله ومنها رقية جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم التي رواها مسلم في صحيحه باسم الله أرقيك من كل داء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك باسم الله أرقيك ورأى جماعة من السلف أن يكتب له الآيات من القرآن ثم يشربها قال مجاهد لابأس أن يكتب القرآن ويغسله ويسقيه المريض ومثله عن أبي قلابة ويذكر عن ابن عباس أنه أمر أن يكتب لأمرأة يعسر عليها ولادها آيتان من القرآن يغسل ويسقى وقال أيوب رأيت أبا قلابة كتب كتابا من القرآن ثم غسله بماء وسقاه رجلا كان به وجع ,فصل ومنها أن يؤمر العائن بغسل مغابنه وأطرافه وداخلة إزاره وفيه قولان أحدهما أنه فرجه والثاني أنه طرف إزاره الداخل الذي يلي جسده من الجانب الأيمن ثم يصب على رأس المعين من خلفه بغتة وهذا مما لا يناله علاج الأطباء ولا ينتفع به من أنكره أو سخر منه أو شك فيه أو فعله مجربا لا يعتقد أن ذلك ينفعه وإذا كان في الطبيعة خواص لا تعرف الأطباء عللها البتة بل هي عندهم خارجة عن قياس الطبيعة تفعل بالخاصية فما الذي ينكره زنادقتهم وجهلتهم من الخواص الشرعية هذا مع أن في المعالجة بهذا الاستغسال ما تشهد له العقول الصحيحة وتقر لمناسبته فاعلم أن ترياق سم الحية في لحمها وأن علاج تأثير النفس الغضبية في تسكين غضبها وإطفاء ناره بوضع يدك عليه والمسح عليه وتسكين غضبه وذلك بمنزلة رجل معه شعلة من نار وقد أراد أن يقذفك بها فصببت عليها الماء وهي في يده حتى طفئت ولذلك أمر العائن أن يقول اللهم بارك عليه ليدفع تلك الكيفية الخبيثة بالدعاء الذي هو إحسان إلى المعين فإن دواء الشيء بضده ولما كانت هذه الكيفية الخبيثة تظهر في المواضع الرقيقة من الجسد لأنها تطلب النفوذ فلا تجد أرق من المغابن وداخله الزار ولا سيما إن كان كناية عن الفرج فإذا غسلت بالماء بطل تأثيرها وعملها وأيضا فهذه المواضع للأرواح الشيطانية بها اختصاص والمقصود أن غسلها بالماء يطفى تلك النارية ويذهب بتلك السمية وفيه أمر آخر وهو وصول أثر الغسل إلى القلب ومن أرق المواضع وأسرعها تنفيذا فيطفى تلك النارية والسمية بالماء فيشفى المعين وهذا كما أن ذوات السموم إذا قتلت بعد لسعها خف أثر اللسعة عن الملسوع ووجد راحته فإن أنفسها تمد أذاها بعد لسعها وتوصله إلى الملسوع فإذا قتلت خف الألم وهذا مشاهد وإن كان من أسبابه فرح الملسوع واشتفاء نفسه بقتل عدوه فتقوى الطبيعة على الألم فتدفعه وبالجملة غسل العائن يذهب تلك الكيفية التي ظهرت منه وإنما ينفع غسله عند تكيف نفسه بتلك الكيفية فإن قيل فقد ظهرت مناسبة الغسل فما ناسبة صب ذلك الماء على المعين قيل هو في غاية المناسبة فإن ذلك الماء أطفأ تلك النارية وأبطل تلك الكيفية الرديئة من الفاعل فكما طفئة به النار القائمة بالفاعل طفئت به وأبطلت عن المحل المتأثر بعد ملابسته للمؤثر العائن والماء الذي يطفأ به الحديد يدخل في أدوية عدة طبيعية ذكرها الأطباء فهذا الذي طفىء به نارية العائن لا يستنكر أن يدخل في دواء يناسب هذا الدواء وبالجملة فطب الطبائعية وعلاجهم بالنسبة إلى العلاج النبوي كطب الطرقية بالنسبة إلى طبهم بل أقل فإن التفاوت الذي بينهم وبين الأنبياء أعظم وأعظم من التفاوت الذي بينه وبين الطرقية بما لا يدرك الإنسان مقداره فقد ظهر لك عقد الإخاء الذي بين الحكمة والشرع وعدم مناقضة أحدهما للآخر والله يهدي من يشاء إلى الصواب ويفتح لمن آدام قرع باب التوفيق منه كل باب وله النعمة السابقة والحجة البالغة
فصل ومن علاج ذلك ايضا والاحتراز منه ستر محاسن من يخاف عليه العين بما يردها عنه كما ذكر البغوي في كتاب شرح السنة أن عثمان رضي الله عنه رأى صبيا مليحا فقال دسموا نونته لئلا تصيبه العين ثم قال في تفسيره ومعنى دسموا نونته أي سودوا نونته والنونة النقرة التي تكون في ذقن الصبي الصغير وقال الخطابي في غريب الحديث له عن عثمان أنه رأى صبيا تأخذه العين فقال دسموا نونته فقال أبو عمرو سألت أحمد بن يحيى عنه فقال اراد بالنونة النقرة التي في ذقنه والتدسيم التسويد أراد سودوا ذلك الموضع من ذقنه ليرد العين قال ومن هذا حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم وعلى رأسه عمامة دسماء أي سوداء أراد الاستشهاد على اللفظة ومن هذا أخذ الشاعر قولهما كان أحوج ذا الكمال إلى عيب يوقيه من العين فصل ومن الرقي التي ترد العين ما ذكر عن أبي عبد الله التياحي أنه كان في بعض أسفاره للحج أو الغزو على ناقة فارهة وكان في الرفقة رجل عائن قلما نظر إلى شيء إلا أتلفه فقيل لأبي عبد الله أحفظ ناقتك من العائن فقال ليس له إلى ناقتي سبيل فأخبر العائن بقوله فتحين غيبة أبي عبد الله فجاء إلى رحله فنظر إلى الناقة فاضطربت وسقطت فجاء أبو عبد الله فأخبر أن العائن قد عانها وهي كما ترى فقال دلوني عليه فدل فوقف عليه وقال باسم الله حبس حابس وحجر يابس وشهاب قابس رددت عين العائن عليه وعلى أحب الناس إليه فأرجع البصر هل ترى من فطور ثم أرجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير فخرجت حدقتا العائن وقامت الناقة لا بأس بها


فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في العلاج العام لكل شكوى بالرقية الإلهية


روى أبو داود في سننه من حديث أبي الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من اشتكى منكم او اشتكاه أخ له فليقل ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك وأمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء فأجعل رحمتك في الأرض واغفر لنا حوبنا وخطايانا أنت رب الطيبين أنزل رحمة من عندك وشفاء من شفائك على هذا الوجع فيبرأ بإذن الله وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد اشتكيت قال نعم فقال جبريل عليه السلام باسم الله أرقيك من كل داء يؤذيك ومن شرك كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك باسم الله أرقيك فإن قيل فما تقولون في الحديث الذي رواه أبو داود لا رقية إلا من عين أو حمة والحمة ذوات السموم كلها فالجواب أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد به نفي جواز الرقية في غيرها بل المراد به لا رقية أولى وانفع منها في العين والحمة ويدل عليه سياق الحديث فإن سهل بن حنيف قال له لما أصابته العين أو في الرقي خير فقال لا رقية إلا في نفس أو حمة ويدل عليه سائر أحاديث الرقي العامة والخاصة وقد روى أبو داود من حديث أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا رقية إلا من عين أو حمة أو دم لا يرقأ وفي صحيح مسلم عنه أينما رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرقية من العين والحمة والنملة


فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في رقية اللديغ بالفاتحة


أخرجنا في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري قال أنطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء فقال بعضهم لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعلهم أن يكون عند بعضهم شيء فأتوهم فقالوا يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شيء لا ينفعه شيء فهل عند أحد منكم من شيء فقال بعضهم نعم والله إني لأرقي ولكن استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق حتى تجعلوا لنا جعلا فصالحوهم على قطيع من الغنم فانطلق يتفل عليه ويقرأ الحمد الله رب العالمين فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشى وما به قلبة قال فاوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه فقال بعضهم اقتسموا فقال الذي رقى لا تفعلوا حتىنأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له ذلك فقال وما يدريك أنها رقية ثم قال قد أصبتم اقتسموا واضربوا لي معكم سهما وقد روى ابن ماجه في سننه من حديث علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الدواء القرآن ومن المعلوم بعض الكلام له خواص ومنافع مجربة فما الظن بكلام رب العالمين الذي فضله على كلام كفضل الله على خلقه الذي هو الشفاء التام والعصمة النافعة والنور الهادي والرحمة العامة الذي لو أنزل على جبل لتصدع من عظمته وجلالته قال تعالى وتنزل من القران ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين و من ههنا لبيان الجنس لا للتبعيض هذا أصح القولين كقوله تعالى وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجر عظيما وكلهم من الذين آمنوا وعملوا الصالحات فما الظن بفاتحة الكتاب التي لم ينزل في القرآن ولا في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور مثلها المتضمنة لجميع معاني كتب الله المشتملة على ذكر أصول أسماء الرب ومجامعها وهي الله والرب والرحمن والرحيم وإثبات المعاد وذكر التوحيدين توحيد الربوبية وتوحيد الإلهية وذكر الافتقار إلى الرب سبحانه في طلب الإعانة وطلب الهداية وتخصيصه سبحانه بذلك وذكر أفضل الدعاء على الإطلاق وأنفعه وأفرضه وما العباد أحوج شيء إليه وهو الهداية إلى صراطه المستقيم المتضمن كمال معرفته وتوحيده وعبادته بفعل ما أمر به واجتناب ما نهى عنه والاستقامة عليه إلى الممات ويتضمن ذكر أصناف الخلائق وانقسامهم إلى منعم عليه بمعرفته الحق والعمل به ومحبته وإيثاره ومغضوب عليه بعدوله عن الحق بعد معرفته له وضال بعدم معرفته له وهؤلاء أقسام الخليقة مع تضمنها لإثبات القدر والشرع والأسماء والصفات والمعاد والنبوات وتزكية النفوس وإصلاح القلوب وذكر عدل الله وإحسانه والرد على جميع أهل البدع والباطل كما ذكرنا ذلك في كتابنا الكبير في شرحها وحقيق بسورة هذا بعض شأنها أن يستشفى بها من الأدواء ويرقى بها اللديغ وبالجملة فما تضمنته الفاتحة من إخلاص العبودية والثناء على الله وتفويض الأمر كله إليه والاستعانة به والتوكل عليه وسؤاله مجامع النعم كلها وهي الهداية التي تجلب النعم وتدفع النقم من أعظم الأدوية الشافية الكافية وقد قيل إن موضع الرقية منها إياك نعبد وإياك نستعين ولا ريب أن هاتين الكلميتن من أقوى أجزاء هذا الدواء فإن فيهما من عموم التفويض والتوكل والالتجاء والاستعانة والافتقار والطلب والجمع بين أعلى الغايات وهي عبادة الرب وحده وأشرف الوسائل وهي الاستعانة به على عبادته ما ليس في غيرها ولقد مر بي وقت بمكة سقمت فيه وفقدت الطبيب والدواء فكنت أتعالج بها آخذ شربة من ماء زمزم وأقرؤها عليها مرارا ثم أشربه فوجدت بذلك البرء التام ثم صرت اعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع فأنتفع بها غاية الانتفاع
فصل وفي تأثير الرقي بالفاتحة وغيرها في علاج ذوات السموم سر بديع فإن ذوات السموم أثرت بكيفيات نفوسها الخبيثة كما تقدم وسلاحها حمتها التي تلدغ بها وهي لا تلدغ حتى تغضب فإذا غضبت ثار فيها السموم فتقذفه بآلتها وقد جعل الله سبحانه لكل داء دواء ولك شيء ضدا ونفس الراقي تفعل في نفس المرقي فيقع بين نفسيهما فعل وانفعال كما يقع بين الداء والدواء فتقوى نفس المرقى وقوته بالرقية على ذلك الداء فيدفعه بإذن الله ومدار تأثير الأدوية والأدواء على الفعل والانفعال وهو كما يقع بين الداء والدواء الطبيعتين يقع بين الداء والدواء الروحانيين والروحاني والطبيعي وفي النفث والتفل استعانه بتلك الرطوبة والهواء والنفس المباشر للرقية والذكر والدعاء فإن الرقية تخرج من قبل الراقي وفمه فإذا صاحبها شيء من أجزاء بانه من الريق والهواء والنفس كانت أتم تأثيرا وأقوى فعلا ونفوذا ويحصل بالازدواج بينهما كيفية مؤثرة شبيهة بالكيفية الحادثة عند تركيب الأدوية وبالجملة فنفس الراقي تقابل تلك النفوس الخبيثة وتزيد بكيفية نفسه وتستعين بالرقية وبالنفث على إزالة ذلك الأثر وكلما كانت كيفية نفس الراق أقوى كانت الرقية أتم واستعانه بنفثه كاستعانة تلك النفوس الرديئة بلسعها وفي النفث سر آخر فإنه مما تستعين به الأرواح الطيبة والخبثة ولهذا تفعله السحرة كما يفعله أهل الإيمان قال تعالى ومن شر النفاثات في العقد وذلك لأن النفس تتكيف بكيفية الغضب والمحاربة وترسل أنفاسها سهاما لها وتمدها بالنفث والتفل الذي معه شيء من ريق مصاحب لكيفية مؤثرة والسواحر تستعين بالنفث استعانة بينة وإن لم يتصل بجسم المسحور بل ينفث علىالعقدة ويعقدها ويتكلم بالسحر فيعلم ذلك في المسحور بتوسط الأرواح السفلية الخبيثة فتقابلها الروح الزكية الطيبة بكيفية الدفع والتكلم بالرقية وتستعين بالنفث فأيهما قوي كان الحكم له ومقابلة الأرواح بعضها لبعض ومحارتبها وآلتها من جنس مقابلة الأجسام ومحاربتها وآلتها سواء بل الأصل في المحاربة والتقابل للأرواح والأجسام آلتها وجندها ولكن من غلب عليه الحسن لا يشعر بتأثيرات الأرواح وأفعالها وانفعالاتها لاستيلاء سلطان الحسن عليه وبعده من عالم الأرواح وأحكامها وأفعالها والمقصود أن الروح إذا كانت قوية وتكيف بمعاني الفاتحة واستعانت بالنفث والتفل قابلت ذلك الأثر الذي حصل من النفوس الخبيثة فأزالته والله اعلم


فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج لدغة العقرب


بالرقية روى ابن أبي شيبة في مسنده من حديث عبد الله بن مسعود قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إذ سجد فلدغته عقرب في إصبعه فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لعن الله العقرب ما تدع نبيا ولا غيره قال ثم دعا بإناء فيه ماء وملح فجعل بضع موضع اللدغة في الماء والملح ويقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين حتى سكت ففي هذا الحديث العلاج بالدواء المركب من الأمرين الطبيعي والإلهي فإن في سورة الإخلاص من كمال التوحيد العلمي الاعتقادي وإثبات الاحدية لله المستلزمة نفي كل شركة عنه وإثبات الصمدية المستلزمة لإثبات كل كمال له مع كون الخلائق تصمد إليه في حوائجها أي تقصده الخليقة وتتوجه إليه علويها وسفليها وفي الوالد والولد والكف عنه المتضمن لنفي الأصل والفرع والنظير والمماثل ما اختصت به وصارت تعدل ثلث القرآن ففي اسمه الصمد إثبات كل الكمال وفي نفي الكفء التنزيه عن الشبيه والمثال وفي الأحد نفى كل شريك لذي الجلال وهذه الأصول الثلاث هي مجامع التوحيد وفي المعوذتين الاستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلا فإن الاستعاذة من شر ما خلق تعم كل شر يستعاذ منه سواء كان في الأجسام أو الأرواح والاستعاذة من شر الغاسق وهو الليل وآيته وهو القمر إذا غاب تتضمن الاستعاذة من شر ما ينتشرفيه من الآرواح الخبيثة التي كان نور النهار يحول بينها وبين الانتشار فلما أظلم الليل عليها وغاب القمر انتشرت وعاثت والاستعاذة من شر النفاثات في العقد تتضمن الاستعاذة من شر السواحر وسحرهن والاستعاذة من شر الحاسد تتضمن الاستعاذة من النفوس الخبيثة المؤذية بحسدها ونظرها والسورة الثانية تتضمن الاستعاذة من شر شياطين الإنس والجن فقد جمعت السورتان الإستعاذة من كل شر ولهما شأن عظيم في الاحتراس والتحصن من الشرور قبل وقوعها ولهذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم عقبة بن عامر بقرائتهما عقب كل صلاة ذكر الترمذي في جامعة وفي سر عظيم في استدفاع الشرور من الصلاة إلى الصلاة وقال ما تعوذ المتعوذون بمثلهما وقد ذكر أنه صلى الله عليه وسلم سحر في إحدى عشرة عقدة وأن جبريل نزل عليه بهما فجعل كلما يقرأ آية منهما انحلت عقدة حتى انحلت العقد كلها وكأنما نشط من عقال وأما العلاج الطبيعي فيه فإن في الملح نفعا لكثير من السموم ولا سيما لدغة العقرب قال صاحب القانون يضمد به مع بزر الكتان للسع العقرب وذكره غيره أيضا وفي الملح من القوة الجاذبة المحللة ما يجذب السموم ويحللها ولما كان في لسعها قوة نارية تحتاج إلى تبريد وجذب وإخراج جمع بين الماء المبرد لنار اللسعة والملح الذي فيه جذب وإخراج وهذا أتم ما يكون من العلاج وأيسره وأسهله وفيه تنبيه على أن علاج هذا الدواء بالتبريد والجذب والإخراج والله أعلم وقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة فقال أما لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضرك واعلم أن الأدوية الإلهية تنفع من الداء بعد حصوله وتمنع من وقوعه وإن وقع لم يقع وقوعا مضرا وإن كان مؤذيا والأدوية الطبيعية إنما تنفع بعد حصول الداء فالتعوذات والأذكار إما أن تمنع وقوع هذه الأسباب وإما أن تحول بينها وبين كمال تأثيرها بحسب كمال المتعوذ وقوله وضعفه فالرقي والعوذ تستعمل لحفظ الصحة ولإزالة المرض أما الأول فكما في الصحيحين من حديث عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بقل هو الله أحد والمعوذتين ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يد من جسده وكما في حديث عوذة أبي الدرداء المرفوع اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم وقد تقدم وفيه من قالها أول نهاره لم تصبه مصيبة حتى يمسى ومن قالها آخر نهاره لم تصبه مصيبة حتى يصبح وكما في الصحيحين من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه وكما في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم من نزل منزلا فقال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك وكما في سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في السفر يقول بالليل يا أرض ربي وربك الله أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وشر ما يدب عليك أعوذ الله من أسد وأسود ومن الحية والعقرب ومن ساكن البلد ومن والد وما ولد وأما الثاني فكما تقدم من الرقية بالفاتحة والرقية للعقرب وغيرها مما يأتي


فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في رقية النملة


قد تقدم من حديث أنس الذي في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم رخص في الرقية من الحمة والعين والنملة وفي سنن أبي داود عن الشفاء بنت عبد الله قالت دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة فقال ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة النملة قروح تخرج في الجنبين وهو داء معروف وسمى نملة لأن صاحبه يحس في مكانه كأن نملة تذب عليه وتعضه وأصنافها ثلاثة قال ابن قتيبة وغيره كان المجوس يزعمون أن ولد الرجل من أخته إذا حط على النملة شفى صاحبها ومنه قول الشاعر ولا عيب فينا غير حط لمعشر كرام وأنا لا نحط على النمل وروى الخلال أن الشفاء بنت عبد الله كانت ترقى في الجاهلية من النملة فلما هاجرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكانت قد بايعته بمكة قالت يا رسول الله إني كنت أرقي في الجاهلية من النملة وإني أريد أن أعرضها عليك فعرضتها فقالت باسم الله صليت حتى يعود من أفواها ولا تضر أحدا اللهم اكشف الباس رب الناس قال ترقى بها على عود سبع مرات وتقصد مكانا نظيفا وتدلكه على حجر بخل خمرة حاذق وتطليه على النملة وفي الحديث دليل على جواز تعليم النساء الكتابة


فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في رقي الحية


قد تقدم قوله لا رقية إلا في عين أو حمة الحمة بضم الحاء وفتح الميم وتخفيفها وفي سنن ابن ماجه من حديث عائشة رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرقية من الحية والعقرب ويذكر عن ابن شهاب الزهري قال لدغ بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حية فقال النبي صلى الله عليه وسلم هل من راق فقالوا يا رسول الله إن آل حزم كانوا يرقون رقية الحية فلما نهيت عن الرقي تركوها فقال ادعوا عمارة بن حزم فدعوه فعرض عليه رقاه فقال لا بأس بها فأذن له فيها فرقاه


فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في رقبة القرحة والجرح


أخرجا في الصحيحين عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى الإنسان أو كانت به قرحة أو جرح قال بإصبعه هكذا ووضع سفيان سبابته بالأرض ثم رفعها وقال باسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا ليشفى سقيمنا بإذن ربنا هذا من العلاج السهل الميسر النافع المركب وهي معالجة لطيفة يعالج بها القروح والجراحات الطرية لاسيما عند عدم غيرها من الأدوية إذ كانت موجودة بكل أرض وقد علم أن طبيعة التراب الخالص باردة يابسة مجففة لرطوبات القروح والجراحات التي تمنع الطبيعة من جودة فعلها وسرعة اندمالها لا سيما في البلاد الحارة وأصحاب الأمزجة الحار فإن القروح والجراحات يتبعها في أكثر الأمر سوء مزاج حار فيجتمع حرارة البلد والمزاج والجراح وطبيعة التراب الخالص باردة يابسة أشد من برودة جميع الأدوية المفردة الباردة فتقابل برودة التراب حارة المرض لا سيما إن كان التراب قد غسل وجفف ويتبعها أيضا كثرة الرطوبات الرديئة والسيلان والتراب مجفف لها مزيل لشدة يبسه وتجفيفه للرطوبة الرديئة المانعة من برئها ويحصل به مع ذلك تعديل مزاج العضو العليل ومتى اعتدل مزاج العضو قويت قواه المدبرة ودفعت عنه الألم بإذن الله ومعنى الحديث أنه يأخذ من ريق نفسه على إصبعه السبابة ثم يضعها على التراب فيعلق بها منه شيء فيمسح به على الجرح ويقول هذا الكلام لما فيه من بركة ذكر اسم الله وتفويض الأمر إليه والتوكل عليه فينضم أحد العلاجين إلى الآخر فيقوى التأثير وهل المراد بقوله تربة أرضنا جميع الأرض أو ارض المدينة خاصة فيه قولان ولا ريب أن من التربة ما تكون فيه خاصية ينفع بخاصيته من أدواء كثيرة ويشفى بها أسقاما رديئة قال جالينوس رأيت بالأسكندرية مطحولين ومستسقين كثيرا يستعملون طينمصر ويطلون به على سوقهم وأفخاذهم وسواعدهم وظهورهم وأضلاعهم فينتفعون به منفعة بينة قال وعلى هذا النحو فقد يقع هذا الطلاء للأورام العفنة والترهلة الرخوة قال وإني لأعرف قوما ترهلت أبدانهم كلها من كثرة استفراغ الدم من أسفل انتفعوا بهذا الطين نفعا بينا وقوما آخرين شفوا به أو جاعا مزمنة كانت متمكنة في بعض الأعضاء تمكنا شديدا فبرأت وذهبت أصلا وقال صاحب الكتاب المسيحي قوة الطين المجلوب من كنوس وهي جزيرة المصطكى قوة تجلو أو تغسل وتنبت اللحم في القروح وتختم القروح انتهى وإذا كان هذا في هذا التربات فما الظن بأطيب تربة على وجه الأرض وأبركها وقد خالطت ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقارنت رقيته باسم ربه وتفويض الأمر إليه وقد تقدم أن قوي الرقية وتأثيرها بحسب الراقي وانفعال المرقى عن رقيته وهذا أمر لا ينكره طبيب فاضل عاقل مسلم فإن انتفى أحد الأوصاف فليقل ماشاء


فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الوجع بالرقية


روى مسلم في صحيحه عن عثمان بن أبي العاص أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا يجده في حسده منذ أسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل باسم الله ثلاثا وقل سبع مرات أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر ففي هذا العلاج من ذكر اسم الله والتفويض إليه والاستعاذة بعزته وقدرته من شر الألم ما يذهب به وتكراره ليكون أنجع وأبلغ كتكرار الدواء لإخراج المادة وفي السبع خاصية لا توجد في غيرها وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعود بعض أهله يمسح عليه بيده اليمنى ويقول اللهم رب الناس أذهب الباس واشف أنت الشافي لاشفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماففي هذه الرقية توسل إلى الله بكمال ربوبيته وكمال رحمته بالشفاء وأنه وحده الشافي وأنه لا شفاء إلا شفاؤه فتضمنت التوسل إليه بتوحيده وإحسانه وربوبيته


رابعا العلاج النبوى للعشق


العشق وعلاجه


هو مرض من أمراض القلب مخالف لسائر الامراض في ذاته وأسبابه وعلاجه وإذا تمكن واستحكم عز على الأطباء دواؤه وأعيا العليل داؤه وإنما حكاه الله سبحانه في كتابه عن طائفتين من الناس من النساء وعشاق الصبيان المردان فحكاه عن امرأة العزيز في شأن يوسف وحكاه عن قوم لوط فقال تعالى إخبارا عنهم لما جاءت الملاكئة لوطا وجاء اهل المدينة يستبشرون قال إن هؤلاء ضيفى فلا تفضحون واتقوا الله ولا تخزون قالوا أولم ننهك عن العالمين قال هؤلاء بناتى إن كنتم فاعلين لعمرك إنهم لفى سكرتهم يعمهون وأما ما زعمه بعض من لم يقدر رسول الله حق قدره انه ابتلى به في شان زينب بنت جحش وانه رآها فقال سبحان مقلب القلوب واخذت بقلبه وجعل يقول لزيد بن حارثه أمسكها حتى أنزل الله عليه وإذ تقول للذى انعم الله عليه وانعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفى في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله احق ان تخشاه فظن هذا الزاعم أن ذلك في شأن العشق وصنف بعضهم كتابا في العشق وذكر فيه عشق الأنبياء وذكر هذه الواقعة وهذا من جهل هذا القائل بالقرآن وبالرسل وتحميله كلام الله ما لا يحتمله ونسبته رسول الله ما برأه الله منه فغن زينب بنت جحش كانت تحت زيد بن الحارثة وكان رسول الله قد تبناه وكان يدعى ابن محمد وكانت زينب فيها شمم وترفع عليه فشاور رسول الله في طلاقها فقال له رسول الله أمسك عليك زوجك واتق الله واخفى في نفسه ان يتزوجها إن طلقها زيد وكان يخشى من قالة الناس إنه تزوج امراة ابنه لان زيدا كان يدعى ابنه فهذا هو الذي اخفاه في نفسه وهذه هى الخشية من الناس التى وفعت له ولهذا ذكر الله سبحانه هذه الآية يعدد فيها نعمه عليه لا يعاتبه فيها واعلمه انه لا ينبغى له ان يخشى الناس فيما احل الله له وان الله احق ان يخشاه فلا يتحرج ما احله له لاجل قول الناس ثم أخبره انه سبحانه زوجه اياها بعد قضاء زيد وطره منها لتقتدى امته به في ذلك ويتزوج الرجل امرأة ابنه بالتبنى لا امرأة ابنه لصلبه ولهذا قال في آية التحريم وحلائل ابنائكم الذين من أصلابكم وقال في هذه السورة ما كان محمد أبا أحد من رجالكم وقال في اولها وما جعل أدعيائكم أبنائكم ذلكم قولكم بافواهكم فتأمل هذا الذب عن رسول الله ودفع طعن الطاعنين عنه وبالله التوفيق نعم كان رسول الله يحب نساءه وكان احبهن إليه عائشة رضى الله عنها ولم تكن تبلغ محبته لها ولا لأحد سوى ربه نهاية الحب بل صح عنه انه قال لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت ابا بكر خليلا وفي لفظ وإن صاحبكم خليل الرحمن فصل وعشق الصور إنما يبتلى به القلوب الفارغة من محبة الله تعالى والمعرضة عنه المتعوضه بغيره عنه فإذا امتلأ القلب من محبة الله والشوق إلى لقائه دفع ذلك عنه مرض عشق الصور ولهذا قال الله تعالى في حق يوسف كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين فدل على أن الإخلاص سبب لدفع العشق وما يترتب عليه من السوء والفحشاء التى هى ثمرته ونتيجته فصرف المسبب صرف لسببهولهذا قال بعض السلف العشق حركة القلب الفارغ يعنى فارغا مما سوى معشوقه قال تعالى وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ان كادت لتبدى به أى فراغا من كل شىء إلا من موسى لفرط محبتها له وتعلق قلبها به والعشق مركب من أمرين استحسان للمعشوق وطمع في الوصول إليه فمتى انتفى أحدهما انتفى العشق وقد أعيت علة العشق على كثير من العقلاء وتكلم فيها بعضهم بكلام يرغب عن ذكره إلى الصواب فنقول قد استقرت حكمة الله عز وجل في خلقه وأمره على وقوع التناسب والتآلف بين الأشباه وانجذاب الشىء إلى موافقة ومجانسة بالطبع وهروبه من مخالفة ونفرته عنه بالطبع فسر التمازج والاتصال في العالم العلوى والسفلى إنما هو التناسب والتشاكل والتوافق وسر التباين والانفصال إنما هو بعدم التشاكل والتناسب وعلى ذلك تمام الخلق والأمر فالمثل إلى مثله مائل وإليه صائر والضد عن ضده هارب وعنه نافر وقد قال تعالى هو الذى خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فجعل سبحانه علة سكون الرجل إلى امراته كونها من جنسه وجوهره فعلة السكون الرجل المذكور وهو الحب كونها منه فدل على ان العلة ليست بحسن الصورة ولا الموافقة في القصد والادارة ولا في الخلق والهدى وان كانت هذه أيضا من أسباب السكون والمحبة وقد ثبت في الصحيح عن النبى أنه قال الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف وفي مسند الإمام احمد وغيره في سبب هذا الحديث ان امراة بمكة كانت تضحك الناس فجاءت إلى المدينة فنزلت على امرأة تضحك الناس فقال النبى الأرواح جنود مجندة الحديث وقد استقرت شريعته سبحانه ان حكم الشىء حكم مثله فلا تفرق شريعته بين متماثلين ابدا ولا تجمع بين مضادين ومن ظن خلاف ذلك فإما لقلة علمه بالشريعة وإما لتقصيره في معرفة التماثل والاختلاف وإما لنسبته إلى شريعته ما لم ينزل به سلطانا بل يكون من آراء الرجال فبحكمته وعدله ظهر خلقه وشرعه وبالعدل والميزان قال الخلق والشرع وهو التسوية بين المتماثلين والتقريق بين المختلفين وهذا كما أنه ثابت في الدنيا فهو كذلك يوم القيامة قال تعالى احشروا الذين ظلموا وازواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه وبعده الإمام أحمد رحمه الله أزواجهم أشباههم ونظائرهم وقال تعالى وإذا النفوس زوجت أى قرن كل صاحب عمل بشكله ونظيره فقرن بين المتحابين في الله في الجنة وقرن بين المتحابين في طاعة الشيطان في الجحيم فالمرء مع من أحب شاء أو أبى وفي صحيح الحاكم وغيره عن النبى لا يحب المرء قوما إلا حشر معهم والمحبة أنواع متعددة فأفضلها واجلها المحبة في الله ولله وهي تستلزم محبة ما أحب الله وتستلزم محبة لله رسول ومنها محبة الإتفاق في طريقة أو دين أو مذهب أو نحلة أو قرابة أو صناعة أو مراد ما ومنها محبة لنيل غرض من المحبوب إما من جاهه أو من ماله أو من تلعيمه وإرشاده أو قضاء وطر منه وهذه هي الحبة العرضية التي تزول بزوال موجبها فإنه من ودك لأمر ولي عند انقضائه وأما محبة المشاكلة والمناسبة التى بين المحب والمحبوب فمحبة لا زمة لا تزول إلا لعارض يزيلها ومحبة العشق من هذا النوع فإنها استحسان روحانى وامتزاج نفسانى ولا يعرض في شىء من أنواع المحبة من الوساوس والنحول وشغل البال والتلف ما يعرض من العشق فان قيل فاذا كان سبب العشق ما ذكرتم من الاتصال والتناسب الروحانى فما باله لا يكون دائما من الطرفين بل تجده كثيرا من طرف العاشق وحده فلو كان سببه الاتصال النفسى والامتزاج الروحانى لكانت المحبة مشتركة بينهما فالجواب أن السبب قد يختلف عنه مسببه لفوات شرط او لوجود مانع وتختلف المحبة من الجانب الآخر ولا بد أن يكون لحد ثلاثة أسباب الأول علة في المحبة وانها محبة عرضية لاذاتية ولا يجب الاشتراك في المحبة العرضية بل قد يلزمها نفرة من المحبوب والثانى مانع يقوم بالمحب يمنع محبة محبوبه له إما في خلقه أو خلقه أو هديه أو فعله أو هيئته أو غير ذلك والثالث مانع يقوم بالمحبوب يمنع مشاركته للمحب في محبته ولو ذلك المانع لقام به من المحبة لمحبة مثل ماقام بالآخر فإذا انتفت هذه الموانع وكانت المحبة ذاتية فلا يكون قط إلا من الجانبين ولو مانع الكبر والحسد والرياسة والمعداة في الكفار لكانت الرسل أحب إليهم من أنفسهم واهليهم واموالهم ولما زال هذا المانع من قلوب أتباعهم كانت محبتهم لهم فوق محبة الأنفس والأهل والمال فصل والمقصود أن العشق لما كان مرضا من الأمراض كان قابلا للعلاج وله أنواع من العلاج فإن كان مما للعاشق سبيل إلى وصل محبوبه شرعا وقدرا فهو علاجه كما ثبت في الصحيين من حديث ابن مسعود رضى الله عنه قال قال رسول الله يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء فدل المحب على علاجين اصلى وبدلى وأمره بالأصلى وهو العلاج الذى وضع لهذا الداء فلا ينبغى العدول عنه إلى غيره ما وجد إليه سبيلا وروى ابن ماجة في سننه عن ابن عباس رضى الله عنهما عن النبى أنه قال لم نر للمتحابين مثل النكاح وهذا هو المعنى الذي اشار إليه سبحانه عقيب إحلالالنساء حرائر وإمائهن عند الحاجة بقوله يريد الله ان يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا فذكر تخفيفه سبحانه في هذا الوضع وإخباره عن ضعف الإنسان يدل على ضعفه عن احتمال هذه الشهوة وانه سبحانه خفف عنه أمرها بما اباحه له من أطايب النساء مثنى وثلاث ورباع واباح له ما شاء مما ملكت يمينه ثم اباح له ان يتزوج بالإماء إن احتاج ذلك علاجا لهذه الشهوة وتخفيفا عن هذا الخلق الضعيف ورحمة به فصل وإن كان لا سبيل للعشاق إلى وصال معشوقه قدرا أو شرعا او هو ممتنع عليه من الجهتين وهو الداء العضال فمن علاجه إشعار نفسه اليأس منه فإن النفس متى يئست من الشىء استراحت منه ولم تلتفت إليه فإن لم يزل مرض العشق مع اليأس فقد انحرف الطبع انحرافا شديدا فينتقل إلى علاج آخر وهو علاج عقله بان يعلم بأن تعلق القلب بما لا يطمع في حصوله نوع من الجنون وصاحبه بمنزلة من يعشق الشمس وروحه متعلقة بالصعود إليها والدوران معها في فلكها وهذا معدود عن جميع العقلاء في زمرة المجانين وإن كان الوصال متعذرا شرعا لا قدرا فعلاجه بأن ينزله منزلة المتعذر قدرا إذا لم يأذن الله فيه فعلاج العبد ونجاته موقوف على اجتنابه فليشعر نفسه أنه معدوم ممتنع لا سبيل له إليه وأنه بمنزلة سائر المحالات فان لم تجبه النفس الأمارة فليتركه لأحد أمرين إما خشية وإما فوات محبوب هو أحب إليه وأنفع له وخير له منه وأدوم لذة وسرورا فان العاقل متى زان بين نيل محبوب سريع الزوال بفوات محبوب أعظم منه وأدوم وانفع والذ أو بالعكس ظهر له التفاوت فلا تبع لذة الأبد التى هى لا خطر فيها بلذة ساعة تنقلب آلآما وحقيقتها أنها أحلام نائم أو خيال لا ثبات له فتذهب اللذة وتبقى التبعة وتزول الشهوة وتبقى الشقوة الثاني حصول مكروه أشق عليه من فوات هذا المحبوب بل يجتمع له امران أعنى فوات ما هو أحب إليه من هذا المحبوب وحصول ما هو أكره إليه من فوات هذا المحبوب فإذا تيقن ان في عطاء النفس حظها من هذا المحبوب هذين الأمرين هان عليه تركه ورأى ان صبره على فوته اسهل من صبره عليهما بكثير فعقله ودينه ومروءته وانسانيته تأمره باحتمال الضرر اليسير الذى ينقلب سريعا لذة وسرورا وفرحا لدفع هذين الضررين العظيمين وجهله وهواه وظلمه وطيشه وخفته تأمره بإيثار هذا المحبوب العاجل بما فيه جالبا عليه ما جلب والمعصوم من عصمة الله فان لم تقبل نفسه هذا الدواء ولم تطاوعه لهذه المعالجة فلينظر ما تجلب عليه هذه الشهوة من مفاسد عاجلته وما تمنعه من مصالحها فانها أجلب شىء لمفاسد الدنيا واعظم شىء تعطيلا لمصالحها فانها تحول بين العبد وبين رشده الذى هو ملاك أمره وقوام مصالحه فإن لم تقبل نفسه هذا الدواء فليتذكر قبائح المحبوب وما يدعوه إلى النفرة منه فإنه إن طلبها وتأملها وجدها أضعاف محاسنه التى تدعو إلى حبه وليسأل جيرانه عما خفى عليه منها فان المحاسن كما هي داعية للحب والارادة فالمساوىء داعية البغض والنفرة فليوازن بين الداعيين وليحب أسبقهما وأقربهما منه بابا ولا يكن ممن غره لو جمال على جسم أبرص مجذوم وليجاوز بصره حسن الصورة إلى قبح الفعل وليعبر من حسن المنظر والجسم إلى قبح المخبر والقلب فإن عجزت عنه الأدوية كلها لم يبق له إلا صدق اللجأ إلى من يجيب المضطر إذا دعاه وليطرح نفسه بين يديه على بابه مستغيثا به متضرعا متذللا مستكينا فمتى وفق لذلك فقد قرع باب التوفيق فليعف وليكتم ولا يشبب بذكر المحبوب ولا يفضحه بين الناس ويعرضه للاذى فإنه يكون ظالما متعديا ولا يغتر بالحديث الموضوع على رسول الله الذى رواه سويد بن سعيد عن على بن مسهر عن أبى يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس رضى الله عنهما عن النبي ورواه عن ابن مسهر أيضا عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبى ورواه الزبير بن بكار عن عبدالملك بن عبدالعزيز بن الماجشون عن عبدالعزيز بن حازم عن ابن نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضى الله عنهما عن النبي أنه قال من عشق فعف فمات فهو شهيد وفي رواية من عشق وكتم وعف وصبر غفر له الله وادخله الجنة فإن هذا الحديث لا يصح عن رسول الله ولا يجوز أن يكون من كلامه فإن الشهادة درجة عالية عند الله ومقرونة بدرجة الصديقية ولها اعمال واحوال هى شرط في حصولها وهى نوعان عامة وخاصة فالخاصة الشهادة في سبيل الله والعامة خمس مذكورة في الصحيح ليس العشق واحدا منها وكيف يكون العشق الذى هو شرك في المحبة وفراغ عن الله وتمليك القلب والروح والحب لغيره تنال به درجة الشهادة هذا من المحال فغن افساد عشق الصور للقلب فوق كل إفساد بل هو خمر الروم الذي يسكرها ويصدها عن ذكر الله وحبه والتلذذ بمناجاته والأنس به ويوجب العبودية للقلب لغيره فإن قلب العاشق متعبد لمعشوقه بل العشق لب العبودية فإنها كمال الذل والحب والخضوع والتعظيم فكيف يكون تعبد القلب لغير الله مما تنال به درجة أفاضل الموحدين وساداتهم وخواص الأولياء فلو كان إسناد هذا الحديث كالشمس كان غلطا ووهما ولا بحفظ عن رسول الله لفظ العشق في حديث صحيح البتة ثم إن العشق منه حلال ومنه حرام فكيف يظن بالنبى أنه يحكم على كل عاشق يكتم ويعف بأنه شهيد فترى من يعشق امرأة غيره او يعشق المردان والبغايا ينال بعشقه درجة الشهداء وهل هذا الا خلاف المعلوم من دينه وكيف العشق مرض من الأمراض التى جعل الله سبحانه وتعالى لها الأدوية شرعا وقدرا والتداوى منه إما واجب إن كان عشقا حرام وإما مستحب وأنت إذا تأملت الأمراض والآفات التى حكم رسول الله لأصحابها بالشهادة وجدتها من الأمراض التى لا علاج لها كالمطعون والمبطون والمجبون والحريق والغريق وموت المرأة يقتلها ولدها في بطنها فإن هذه بلايا من الله لا صنع للعبد فيها ولا علاج لها وليست أسبابها المحرمة ولا يترتب عليها من فساد القلب وتعبده لغير الله ما يترتب على العشق فإن لم يكف هذا في إبطال نسبة هذا الحديث إلى رسول الله فلقد أثمه الحديث العالمين به وبعلله فإنه لا يحفظ عن إمام واحد منهم قط أنه شهد له بصحة بل ولا بحسن وكيف وقد أنكروا على سويد هذا الحديث ورموه لأجله بالعظائم واستحل بعضهم غزوه لأجله قال أبو حمد بن عدى في كامله هذا الحديث أحد ما منكر على سويد وكذلك قال البيهقى أنه مما أنكر عليه وكذلك قال ابن طاهر في الذخيرة وذكره الحاكم في تاريخ نيسابور قال انا أتعجب من هذا الحديث فإنه لم يحدث به عن غير سويد وهو ثقة وذكره أبو الفرج بن الجوزى في كتاب الموضوعات وكان أبو بكر الأزرق يرفعه أولا عن سويد فعوقب فيه فأسقط ذكر النبى وكان لا يجاوز به ابن عباس رضى الله عنهما ومن المصائب التى لا تحتمل جعل هذا الحديث من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها عن النبى ومن له أدنى إلمام بالحديث وعلله لا يحتمل هذا البتة ولا يحتمل أن يكون من حديث ابن الماجشون عن ابن أبى حازم عن ابن أبى نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضى الله عنهما مرفوعا وفي صحته موقوفا علي ابن عباس نظر وقد رمى الناس سويد بن سعيد راوى هذا الحديث بالعظائم وأنكره عليه يحيى بن معين وقال هو ساقط كاذب لو كان لى فرس ورمح كنت أغزوه وقال الإمام أحمد متروك الحديث وقال النسائى ليس بثقة وقال البخارى كان قد عمى فليلقن ماليس من حديثه وقال ابن حبان يأتى بالمعضلات عن الثقات يجب مجانبه ما روى انتهى واحسن ما قيل فيه قول أبى حاتم الرازى إنه صدوق كثير التدليس ثم قول الدارقطنى هو ثقة غير انه لما كبر كان ربما قرىء عليه حديث فيه بعض النكارة فيجيزه انتهى وعيب على ميلم إخراج حديثه وهذه حاله ولكن مسلم روى من حديثه ما تابعه غيره ولم ينفرد به ولم يكن منكرا الولا شاذا بخلاف هذا الحديث والله اعلم